موريتانيا : وطن يبنى، وشعب يفنى !
الخميس, 18 نوفمبر 2010 23:49

بقلم: دداه محمد الأمين الهادي

هذا الموضوع مستوحى كعنوان من مسابقة الاكتتاب الخارجي ل85 وحدة 2010 من مفتشي الشباب الرئيسيين، ومفتشي الشباب، ومعلمي الرياضة، لأن المواضيع المطروحة كانت حول البطالة، والجريمة، والصحة الجسدية، وهي مسابقة كانت تحت تنظيم اللجنة الوطنية للمسابقات في 6 نفمبر2010-

طفح كيل موريتانيا الحديثة من البطالة، من تلك الحالة غير الطبيعية، التي جعلت أجيالا تجهض بلا سبب، تعيش بأعين مفتوحة على واقع لا حظوظ به لغير متملقي السياسة، ومنقلبي العسكر، واقع لا يرفع رأسه لمعانقة التنمية، والأمل فيه عقد القران على خيبة الأمل، وأصبح كرجال المجتمع بارا، ومطيعا لعروسه، ولكن ما السبب؟ ولماذا غياب التنمية المستدامة في أمس الحاجة لها؟ وهل يمكن للرئيس أن يكون عصا موسى اللاهوتية ليحل مشكلة البطالة السلبية على بناء الوطن المزدهر؟

البطالة هي نتاج لعوامل عدة، على رأسها الظلم الاجتماعي، المترجم واقعيا إلى اقصاء، وتهميش، ووساطة، ومحسوبية، تلك الآفات الفتاكة، التي جعلت الثقافة في موريتانيا كالكتابة الهيروغليفية، لا حظ لها في سياق التوظيف، وسوق العمل.

وإذا كانت البطالة هي حالة اللاعمل باختصار، فهذا يجرنا إلى أن نفهم أنها تعني انعدام فرص العمل، أو عدم ملاءمة الأيادي العاملة للفرص المتاحة، أو عدم تمكينها من ممارسة عمل ما، وفي كل هذه الحالات يصبح الشخص مستهلكا، عديم المردودية على ذاته، والمجتمع، والتنمية، لأنه غير منتج، وبكثرة أمثاله تولد ظاهرة تعاظم الاستهلاك، الغير معوض بانتاج، وهنا يهدد وجود الجماعة، وتصبح الدولة قاب قوسين أو أدنى من التفكك، والانهيار.

ففي الحالة العادية الكل يعمل، ينتج، يساهم في وضع لبنته في التنمية، لأن العمل حق من حقوق الإنسان، متجذر في شخصيته، تماما كحقه في الحياة، والكرامة، والزواج، والأكل، والميزة المهمة التي تجمع هذا الشتات إنسانية هي الأخرى، فهذه الحقوق لا تنقسم، ويآزر بعضها بعضا لتكوين شخصية إنسانية متزنة، سوية، تأكل، تشرب، تتزوج، تعمل، كريمة مكرمة، وتمارس طقوسها الدينية دون إكراه، وتتمتع بحرياتها الأساسية في التعبير، والتجمع، والتنقل، والتجوال...إلى آخره.

لكن الواقع مر، فالبطالة في دول العالم الثالث، التي نحن منها تتزايد، قافزة على الأخضر واليابس، ومنظمة العمل الدولية تتحدث عن الدمج، وخلق فرص العمل، عن ترهات بالنسبة للدول النامية، والسائرة في طريق النمو، المسماة بهذه التسميات المهذبة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تغير، ولا تؤخر، فالتسميات الجميلة ليست عسلا يأكله الفقراء، هي مجاملات دبلوماسية فقط

وفي وطننا كان من الطبيعي ع استشراء البطالة، كبلاء عم وطم، وأن تتنامى ظاهرة الجريمة، وأن يضعف السلم العام، ويشعر الشباب بالامتعاض من انتمائهم للشرائح الفقيرة، ذات السكن العشوائي، والبناء غير المنظم، والغطاء الصحى السيء، والاكتظاظ في الغرفة الواحدة، وتكاثر الأمية، وارتباط هذا الكل بالبطالة، والفقر.

بل إن مستوى الخطورة الإجرامية يرتفع، سيما مع دخول العولمة حيز الوجود، بل رسوخ الطابع العولمي على العالم اجمع، فالانفتاح الموجود لا يوازيه برنامج تنموي حقيقي وطموح، وبالتالي تلاقي الجريمة المنظمة آذانا صاغية من الشباب، والأحداث الجانحين، الذين يعانون من البطالة، والانتماء إلى أسر تنتظر في الطابور العمل منذ الإستقلال.

فالفقراء ناقمون على الدولة، وعلى الظلم الاجتماعي، وهي مبرراتهم لولوج عالم الجريمة، خصوصا أن المجتمع تغيرت قيمه، فلم يعد الاحترام لحافظ القرآن غالبا إلا شكليا، وكذلك لصاحب الأخلاق والفضيلة، لأن القيمة الحقيقة للفرد هي ما يملك لا غير، والمتخلفون عن غزوة الكسب حراما أو حلالا سفهاء.

وكما قلنا للبطالة في البلد أسباب، ومكامن خلل، ومواطن زلل، ومنها:

· التراكمات التاريخية للداء، فالمعالجات ظلت مدادا يسال لحاجات شخصية، ومآرب ضيقة، تستجدي مستنزفة الداخل والخارج في جيوب وطنية لا وطنية لها إلا في حروف أبي الحروف.

· الأزمة الوطنية، والعالمية، لأن الوطن كان دائما في أزمة حقيقية تتعلق بالتنمية، وبصادرات عائداتها طاشت عن الميزانية، وصادراتها تقرأ في التاريخ فقط، ثم جاءت الأزمة العالمية لتصلنا هي الأخرى على جناح السرعة، ونحن مأزومون أصلا، وهذا ما ينعكس سلبا علينا، لوجود أزمة سابقة، وارتفاع الأسعار عالميا، وقلة الإنتاج وطنيا، وتقليص الخارج لمساعداته للدول النامية، مع احترامنا لنتائج طاولة ابروكسيل.

· السياسات الصورية لامتصاص الأزمة، حيث غياب الإرادة الحقيقة، والعمل الجاد للخروج من نفق اللاتنمية، والبطالة، حيث يجتمع المهتمون لشرب العصير، وتسويد الصحف بالكلام الفارغ، الذي يسود الوجوه يومئذ.

· كثرة سماسرة الوظائف، الذين يتولون التجارة بالوظائف لحساباتهم الخاصة، وسمعتهم كأشخاص في المجتمع، وبعضهم يخلق شهادة لزبنائه مزورة، يودعها لدى جهات العمل، وفي النهاية غياب الكفاءة، وإدارة عاجزة، بوظائف أصحابها غائبون إلى يوم تسديد الأجور، لكنهم ليسوا غائبين يوم الدين.

· عدم المواءمة بين سوق العمل، والاختصاصات المفتوحة أمام العامة، فالكل قانوني، لغوي، اقتصادي، وهو ما تحتاجه الدولة في جوانب منها، وتفتقر لغيره في جوانب أخرى، وقد آن لبعض الاختصاصات أن توجه بشكل لا يهدر أموال الدولة في اختصاصات كثرت، ويسمح لها بامتصاص الفائض، مع العلم أن مبررات الدولة أحيانا غير مقبولة، لأنها دولة مؤسسات تحتاج لكم هائل من الكفاءات، لكن ما يحصل هو تجهيل، وتغريب الدولة، فقد تجد مثلا برلمانا، وإدارات كثيرة، لكن بدون برلمانيين، وإداريين من ذوي الشهادات، والكفاءات، وبإمكان الوالي أن يطلع على القوانين المنظمة لوظيفته، وعلى القانون الإداري بعد أن تسعفه مجموعته السياسية في اعتلاء مقعده، وتأزيم المأزم، وتقسيم المقسم من أراض ومشاكل.

· خصخصة التعليم الذي تحتاجه الدولة، حيث المدارس التركية، والفرنسية في القمة، وبعدها الخواص الموريتانيون العاملون في قطاع التعليم، وفي القاعدة مدارس الدولة، ذات البرامج البسيطة، التي غالبا لا تتلاءم وسوق العمل.

· أزمة الثقة في وعود القطاع الحكومي، لأن كثيرين فقدوا الثقة في الدولة، وبالتالي عدلوا عن التعليم، واستعاضوا عنه بالوساطة مثلا، التي لا يجدها من لا يستطيع ردها في أجلها، بمعنى أن التداول بين الأغنياء هو الحاكم،ومن لا يستطيع نفعك لن تنفعه.

· الرشوة، والوساطة، والمحسوبية، والقرابة، والصلات الإجتماعية الأخرى، التي تعتبر هي المحرك الأساسي لولوج العمل.

للأسباب الآنفة وغيرها، مجتمعة، ومتفرقة قوت جرثومة البطالة، واستشرت كحمى الملاريا، وأصبحت خمسينية العيد، والفرح، فرصة أخرى لتتذكر موريتانيا الشيء، الذي بخلت به على شيخوختها، والمجد المؤثل الذي نافق به المنافقون، ورجف به المرجفون طيلة نصف قرن، ولم يضاهيه واقعيا إلا انتشار الجفاف، والأوبئة.

لقد كانت سخرية الحكومات التي حكمت البلاد طيلة ماضيها، مع احترامنا لانجازاتها كبيرة، لم تلبي طموحات الشعب، ولا تطلعاته، وجعلت من الأشياء البسيطة أحلاما قعساء للبؤساء.

لكن ما يشاع عن قوة شكيمة الرئيس يمكن أن يكون صمام الأمان إذا دام، ضد ما تفعله الحكومات في دولتنا لشعبها، وتتطهر منه، وتصف بالجاهلية، وتعتنق إسلام كل جديد، فسبحان من افتروا عليه بزعمهم، وبقولهم بعد مجيء الإسلام بمئات القرون أن الجاهلية أمسهم، واليوم إسلامهم، في الأمس عجزوا عن طاعة الله في المحتاجين، واليوم آباؤكم قادرون

نتمنى أن تستوى السفينة على الجودي، وتتخلص من أكاذيب الساسة، ووعودهم المزيفة، وأن تضاعف الجهود الآنية، هازئة بآكاذيب آلهات المال والسلطة، اللواتي يمنحن أتباعهن وكهنتهن القوة، والسلطان، ويقفن سدا منيعا بين الفقير، والعمل، والقناعة، والستر، وعدم الحاجة إلى الناس.

ونتمنى أن تتحاذى الجهود القيمة لبناء الطرقات، وتعبيدها، مع خلق فرص عمل حقيقية، وتتجاور الحرب مع القاعدة، مع حرب يخوضها النظام ضد البطالة، وله أن:

- يستفيد من الأنظمة المقارنة، التي مرت تاريخيا بأزمات مشابهة.

- يفتتح مراكز للتكوين المهني.

- يضع سياسة تشغيل واعية بمتطلبات المستقبل الموريتاني، من بناء، وأمن، وعدل، وعيش كريم.

- إبعاد شراذمة الفساد.

وسيؤدي الأخذ بهذه الأسباب إلى الغد الأفضل، كي لا يضطر المواطن العادي كما علقت جريدة ساخرة إلى تغميس خبزه في اسفلت الشوارع"كيدروهات".

موريتانيا : وطن يبنى، وشعب يفنى !

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox