دموع وطن/ أحمد ولد محمد الحافظ |
السبت, 02 يونيو 2012 16:11 |
يبكى، لأن أما مكلومة متهالكة فقيرة طرد ابنها من جامعة البلد اليتيمة ومن كلية طبه الوحيدة لا لشيء سوى أنه خرج يطالب بحقه في أن يتعلم بكرامة ويعيش بكرامة في وطنٍ اللئامُ فيه أكثر من الكرام .كان صوتها مبحوحاً أمام منظمة الأمم المتحدة وهي تنادي وتستجير من أرباب الانسانية أن يراعوا فيها وفي ابنها الذى شهدت له بالاستقامة والتقوى والسمت والاجتهاد إلاّ أو ذمة، بعدما ظلمها نخبة وطنها وقضوا على مستقبل أسرة بأكملها بجرة قلم من أستاذ ظالم في ظل حاكم جائر. لقد عجزت جامعتنا الموقرة والمتقدمة في التصنيف العالمي "9163" أن تقدم لروادها هذا العام سوى مسيلات الدموع مع السحل والتنكيل والتذليل في بلد غابت فيه شمس العلم وحلت مكانها ظلمة الجهل والصلف والتحكم في مصائر الناس وعقولهم حتى يردد الجميع بنفس راضية أومكرهة فكر "العزيز" وكلمات" العزيز. شعار المرحلة "يحيا العزيز" ولتموتوا جميعا أو تخلدوا في فقركم وفي جهلكم إلى أبد الآبدين. ما ذنب فتية وفتيات في عمر الزهور لكي يكون مصيرهم الشارع أو الجريمة أو الارهاب أو الانتحار؟ طبعا سيفكرون في كل هذا. فقد كرهوا وطنهم لأنهم حرموا من أقدس حق وأنبله، حُرموا من التعليم حتى لو كان رديئا. فقط لأنهم قالوا كلمة حق ودافعوا عن حقوق في وطن لا تنال فيه الحقوق إلا غلاباً. ... وطني يبكى لأن زعيمه المفدى يهوى الانقلابات على كل ما هو شرعي. لا يمنعه من ذلك عشرة عمر أو صداقة أو قانون أودستور. فيتحول فجأة رئيسُ أعلى سلطة قضائية في البلد إلى معتصمٍ خارج أسوار المحكمة يستنجد ربه ويطلب من أعداء الأمس العون ليسترد حقه الدستوري والقانوني في إكمال مأموريته ذات الخمس سنين. نسي " القاضي المخلوع" أنه شرّع لصاحبه يوما انقلابه على الرجل الطيب الخلوق الأكثر شرعية في تاريخ البلد وبارك له ذلك وفتش في نوازل القانون لعله يجد مبررا لفعلة رئيسه الشنعاء. سيردد الآن "لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض". لقد أثبت "العزيز" بفعلته أنه لا يقيم وزنا لقانون ولا لدستور وأن البلد كله رهين مزاجه محدثا نفسه وقد أسكرته نشوة الحكم :"أليس لي ملك البلد أديره كيف أشاء، أعز من أشاء وأذل من أشاء؟ وقد حكمت على "ولد الغيلاني" أن يكون من الأذلاء المطرودين من حضرتي التي لا يدخلها إلا من تمسح بأعتابي و تزلف لي دهرا من الزمن، حينها أشرفه أن يكون من خدمي المخلصين ولو إلى حين. ...
وطني يبكى لأن نسوة المدينة يتحدثون في أسواقهم البائسة وحاراتهم الفقيرة عن فساد العصبة الحاكمة ومن ساعدته الأقدار يوما أن يكون لهم زوجا أو صهرا. تتحدث نسوة المدينة عن مليونات الدولارات المهربة وعن تبييض أموال وصفاقات بالتراضي وعُطلٍ في فنادق باريس الساحرة. كل هذا وآلاف العائلات لا يجدون قوت يومهم وقد أنهكهم الفقر والجوع والمرض والجهل والبطالة حتى أصبح الموت ضالة البعض التي يبحث عنها هربا من جحيم دار العزيز المتهالكة. يقول رجل من آل العزيز يكتم ولائه للشعب: "لماذا تحظى حرم جنرال موقر بمنصب سام في بلد الحريات "أمريكا"؟ وكأنها الوحيدة في البلد التي تحتاج هذا المنصب بينما يتسكع آلاف الشباب الذين يحملون أعلى الشهادات من "عين شمس" إلى "السربون" و غيرهما أمام قصر العزيز وفي أزقة المدينة بحثا عن عمل ينسيهم عمرا أضاعوه وحلما تحول إلى كابوس؟ رد عليه رجل من أهل الحكم بعد أن انتهره قال له :"هذا ليس من اختصاصك لقد تقاسمت أنا والبارون وكبيير الوزراء حصص التعيين ,أما انتم فإما أن ترضوا بحالكم أو فلتذهبوا إلى الجحيم في وزارتي لا صوت يعلوا فوق صوت الوزير ". ... وطني يبكى لأن شباب المدينة يروون قصصا خرافية عن فساد أبناء الطبقة البرجوازية الحاكمة الذين يتجولون بسيارتهم الفارهة في أتعس شوارع العالم ويتصيدون ضحاياهم منفقين أموال الشعب على نزواتهم وشهواتهم وكأنها أموالهم الخاصة. إنه قدر هذه الأرض البائسة أن يأكل فيها القوي حق الضعيف والغني حقَّ الفقير والحاكم حق المحكوم. وطني يبكى ويضحك معا. "شر البلية ماكان مضحكا" من تصرفات معارضته العرجاء، فسياسوها لا يحبون سوى ذواتهم وتمجيد قيادتهم. تراهم يتناقضون. يبايعون ثم ينكثون. يحاربون ثم يداهنون. يعتصمون ثم يهربون ... مضحكون حقا وهم يحملون على أعناقهم من سامهم سوء العذاب عشرين عاما ليجعلوا منه رمزا لديمقراطية لم يؤمن بها يوما فقط لأنه اختلف مع "العزيز". حملوه فوق الأعناق وتناسوا أنه كان يوما سببا فيما يتخبط فيه البلد من أزمات وويلات. متناقضون هم عندما يجعلون من كبير قضاة "العزيز"رمزا لمنسقيتهم وبطلا قوميا بعد ما كانوا يلعنونه ويصفونه بكل سوء في الأمس القريب . آه. ما أسرع البطولة وما أهونها في أرض العزيز. يكفي أن ترفض قرارا"عزيزيا" لتصبح بطلا قوميا بينما يدفع الرجال أرواحهم دفاعا عن وطنهم فلا تجد لهم ذكرا في أروقة أغلبية زائفة أو معارضة متخبطة.
إنهم يسخرون منا حين يصفون برلمانا بأنه غير شرعي ويصكون أسماعنا من أجل إسقاط رئيس مشكوك في شرعيته ثم لا يتعفف نوابهم عن أخذ رواتبهم في آخر الشهر. أي ازدواجية هذه في المعايير؟ إنه الضحك على الذقون على الطريقة الموريتانية البالية. ... وطني يبكى لأن حكامه المتعاقبون فرطوا في خيرة أبنائه وأكثرهم علما وسمتا وثقافة من أمثال الشيخ اباه ولد عبد الله والمفكر الشيخ الخليل النحوي والشيخ محمد الحسن الددو وعالم الرياضيات الراحل ولد حامدون والدكتور الراحل جمال ولد الحسن وعميد الصحافة الراحل حبيب محفوظ وغيرهم كثر... لقد كان هؤلاء أحق بها وأهلها وكانوا بها عالمين، لكنهم ظلوا مهمشين غرباء في وطن المتزلفين والمارقين والانقلابين . ... وطني، لقد أبكوك وظلموك وأفسدوك وهمشوك وأفقروك وجعلوك أضحوكة للعالم بأسره ثم اتهموا الذئاب كذبا وزورا أنها نهشت لحمك وعظمك. فصبرٌ جميل والله المستعان على ما يصفون. كفكفْ دمعك فعيونك الساحرات أغلى من أن تنتحب. سيأتي يوم يختفي فيه كل الطواغيت والرموز الوهمية من أغلبية ومعارضة ويأتي فيه قوم يحبونك ويعشقونك ويقدسونك فينشلونك من أزماتك المزمنة ويعيدون إليك روحك المختطفة وسيادتك المغتصبة ويرجعون لفقرائك ابتساماتهم البريئة. وما ذلك على الله بعزيز. واصلْ في سفك دمعك إلى أن يحيين اليوم الموعود ورددْ مع أبي ذؤيب قوله : أمـن المنـون وريبهـا تتـوجـع ولقـد أرى أن البـكـاء سفـاهـة
أحمدو محمد الحافظ كاتب صحفي وناشط حقوقي وسياسي |