ديم : إسم فوق الأرض جسم تحت الثرى |
الأحد, 03 يونيو 2012 18:57 |
اسمح لي يا قلمي أراك تذرف دمعا تقطر حبرا تصرخ بصمت دون صوت فيدي و تلك الأنامل تخنقك تقسي عليك علك تعبر عما يجول بداخلي بعد مرور عام على رحيل, شمعة أنارت ربوع وطنها بصوتها الذهبي و ألحانها, على رحيل مبدعة مزجت في فنها بين الحداثة و التراث بين الأصالة و المعاصرة,على رحيل عطوفة تميزت في حياتها بالبساطة و الحنان بالأخلاق و الكرم, على رحيل ذلك الصوت الذهبي الساري في أعماق أعماقي إنه ملكة الفن و أميرة الطرب الموريتاني و زهرة الجيل المعاصر : ديم منت سيداتي ولد آبه رحم الله الجميع . هكذا في مثل هذا اليوم من العام المنصرم جاء ما لم يكن في الحسبان " ديمي منت آبه في ذمة الله " ,بهذا الخبر حزنت قلوب و اغرورقت عيون و ذرفت أخرى دمعا و أجهش آخرون في البكاء فعم الحزن كل مناطق و أرجاء و ربوع وطنها الحبيب , جاء خبر الوفاة هذا بعد صراع قوي مع المرض دام عدة أسابيع اثر سقوط المحبوبة ديمي على منصة في إحدى المناسبات الصحراوية بالمملكة المغربية نقلت على أثره إلى العاصمة الرباط لتلقي العلاج. لكن سرعان ما تدهورت صحة القالية ديمي ليتسلل الجبان إليها أخيرا بعد أن أنهكها و أعياها المرض و صارت غير قادرة على الكلام , نعم تسلل إليها نبتتا هلكها العطش ليخطفها بعيدا عن جمهورها الوافر عن محبيها عن عشاقها عن وطنها الذي طال ما أحبته و غنت من أجله . هنا تذكرت الشاعر البلعمشي قائلا : يا ديم يا حرقة في القلب باقية ـ ـ ـ ألا رجوعَ فروح الحبر تختنق
تمضين عنا إلى الأخرى مسافرة ـ ـ ـ وكلنا سابق يوما ومُلتحِقُ
لقد كانت ديمي في قمة المواطنة و الإنسانية و المساواة, حيث غنت للعلم و الوطن , للاستقلال و الجيش ,للحياة و جمالها و كرست في فنها مفهومة الوحدة الوطنية و لم تدع شيئا حتى الإنسان البسيط هو الآخر كان له نصيب أوفر , و لم تغني ديمي لوطنها فحسب بل تجاوزت كل ذلك لتغني للقضية الفلسطينية ثم ضد التفرقة العنصرية " الآبارتيد" في جنوب إفريقيا . صدق الشاعر و الأديب الموريتاني محمدن ولد الشدو حين قال : دومي على الشدو في العلياء يا ديمي فالفن ملككم من عهد سدوم سموت في الشدو آفاقا جمحت بها عما تصور إحساسي ومفهومي و ها هو الشاعر الآخر محمد ولد ابه يرثيها بأبيات تفيض حزناً وألما قائلا: عفت هذي الديار وراء ديمي من الألحان والصوت الرخيم ومن كرم ومن نبل وصدق ومن خلق ومن خير عميم عفتْ هذي الديار فخل عني فلا طللا تراه سوى الهشيم ولا لحنا ولا صوتا شجيا ستسمع في الأصائل يا نديمي يتيما صرت من أم المعالي فمن لك من يتيم بعدَ ديمي
لاشك أن ديمي استطاعت أن تخط اسمها ضمن لائحة الفنانين الأبرز عالميا , و أن تأخذ لقب الفنان الأشهر في وطنها بفضل صوتها الشجي و قدرتها الفائقة على الأداء. الا أنني فوجئت كثيرا بالتشابه القريب في الصوت و "الردات" بينها و بين الأخت الغير الشقيقة كرمي منت آبه في مناسبة بفندق هيلتون بالعاصمة الرباط عندما أتحفتنا هذه الأخيرة "بفاق" ديمي و "رداتها" ," ريشة الفن" ," يا وطني " ," موريتاني اعليك امبارك لستقلال " ,وقتها أحسست كما لو أن ديمي انبثقت من الأرض لتسمعنا أجمل ما في الكون صوتها الذهبي و ألحانها. لكن و إن كانت ديمي قد رحلت جسديا إلا أنها اتخذت من قلوبنا سكنا لن ترحل عنه الا برحيلنا .
|