إنا لله وإنا إليه راجعون
الخميس, 07 يونيو 2012 15:10

محمد غلام الحاج الشيخمحمد غلام الحاج الشيخانتقل إلى الرفيق الأعلى واحد من أهم شخصيات الوطن الثقافية والأدبية والنضال الثقافي التعليمي هو المرحوم محمد عبد الله بن اشبيه. عرفت الشيخ أول مرة في أواسط الثمانينات عند ما كان يزور العالم الرباني شيخي محمد عثمان ولد محيي الدين رحمه الله تعرفت على شعره الرائق في الإصلاح الاجتماعي.

حيث أمراض الانتقال من البداوة إلى الحضارة وما يصاحب ذلك من انحراف اجتماعي شق على أصيل من المصلحين مثل محمد عبد الله ولد اشبيه فطفق يعلن في جرأة مقاومته مد الانحراف محاورا الرمز المختال في عنجهية يومها 
وبنت الشعب قد جرت ثيابا تردد لا حياء ولا حجابا 
فقلت اقني حياءك ثم سيري فإن الهف حرم ذا كتابا 
فقالت لي لا تكثر كلاما فلا أخشى الكلام ولا العتابا 
لحافي كالزجاجة قد توشى ألم يشبه برقته السرابا 
ثم تفتخر بما معها من وسائل الإغراء والانحراف تأزر به ضعاف الأفئدة ورقيقي التدين 
فهاذي لبسة السنماء عندي وفي الحانات تجتذب الشبابا 
ويوشك أن يضل بها كهول فتوهم أن شيبهم شبابا 
وتوغل في الصلف والصدود عن الهدى وهو يأطرها على الحق أطرا فتقول 
ودعني من تزمتكم وذرني فلم أحسب لآخرتي حسابا 
ثم تجيء زفرة الداعي المعاند الذي يواجه الصدود من قومه متألما يا ليت قومي يعلمون 
فأمطرت اللحاف بسيف نصح ....... اللحاف لنا جوابا 
فإن كنت الأمين لكم عفاف وتخشى أن تلام أو أن تعابا 
فغض الطرف إني من نمير فلا كعبا سترت ولا كعابا 
ثم لا يفتأ يعترضه ذات الشبح يفتك بضعاف ضحاياه الكثر يحمل ذات المتعلقات يغري بها لكن الداعي هذه المرة إقامة للحجة أراد نعتها بلغة العامة 
يا ليتني لم أرها في التكصي تحمل صكا واللباس مكصي
قد رققته بغية التقصي فحددت أعضاءها بالوصي
فاحصة للقوم أي فحص جالسة بينهم تدنصي
قد خرقت برجلها للشصي قلت لها سيدتي لا تعصي
وابتعدي عن سفه ونقص وامتثلي لكل ما في النص
أرادت المخلوقة قطع الحوار مخافة أن ينفذ الوعظ إلى بقية الخير في قلبها 
فنظرتني بعين لص قائلة بفحشها المستعصي
لا تنصحني ولا توصي فقد بذلت شرفي وشخصي
وفي انحلال خلقي شنصي تبا لغير من يريد قنصي
ثم لا حظ شراستها وخاف من تبدل طبيعتها 
فراعني كلامها الفرنصي ثم سكت خبفة من بكصي
ثم ذهب يبكي الأيام الخوالي أيام المجد المؤثل والخلق الرفيع والمحتد الكريم وما طرأ من انحراف قلب الأسافل إلى الأعالي
وبنت شعبك التي علاها أدبها وعلمها حلاها
ما فتئت تسلك دين طه فافتخر الدهر بها وتاها
ثم يضمن بإتقان 
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
ويعلق
مالي أراها طورت نعلاها وجعلت أسفلها أعلاها.
في ليلة من نوادر ليالي الحياة التي لا تنسى كنا قافلين من رحلة الدكتور المختار ولد محمد موسى والوزير السابق حبيب ولد حمديت وأنا سائقهم وعند دخولنا إلى إنشيري وقد أخذ الإرهاق منا كل مأخذ فساد الصمت وأضحى الوجوم مخيما على السيارة وما حولها قال لنا المختار ما رأيكم أن نمر على الشيخ هنا لنعيده ونسلم عليه فنأخذ معنا صلة الرحم نافلة بعد الرحلة فقلت أنا ومتعة الأدب ولقاء الأكابر فقد روي عن السلف أدركت مالكا من زينة الحياة الدنيا دبت فينا الحياة من جديد ونشط في أجسامنا ما كان مرهقا من وعثاء السفر بجميل الشيخ أمام خيمه في فضاء إنشيري الواسع. كانت ليلة من ليالي العواصف الهوجاء التي تحمل الأتربة وتنفض الخيام وتطاير الفرش وجدنا الشيخ – رحمة الله عليه – قد أقعده المرض فتهلل واستبشر لزيارتنا ودخل معنا في حديث لا يمل سماعه سواء علينا نثره ونظامه إذا سمعته النفس طاب نعيمها وزال عن القلب المعنى غرامه. طاب الحديث بكل شيق من نوادر القصص وغرائب الأخبار وشتات الشعر حكاه علينا من كل عصوره ومدارسه كان يتخيره كأنه المائدة بين يديه فيقرأ من الطوال قطعة فيقول بقيتها لا تناسب الليلة ومن القطعة أبياتا كان يقتطع الهين اللين المنساب مع ليلة صيف مقمرة. تمنيت في ذلك السمر لو أن لي قوة خفية أستدر بها كاميرا تصوير متحرك لأسجل بها صورة من أروع خصوصياتنا الثقافية البدوية كانت بجانبنا خيمة أخت الشيخ آمنة في بعد أمتار قليلات كانت تحاول رتق ما تفتق منها بليل نتيجة عاتيات الزوابع فأراد الشيخ أن يمتعنا بإظهار حافظتها الشعرية فكان يفتعل تلعثما في بعض إلقائه فيسألها: آمنة هذه الأبيات لمن من عصر الجاهلية؟ وما بقيتها؟ فلا تجيبه سريعا فيجزم عليها فتسمعه البقية وتخبره من القائل وهي منهمكة في عملها اليدوي. أما بنته أستاذة التعليم فكانت تساعده في كل ما نسي من إنتاجه الشعري منذ شبابه حتى الآن. 
وعندما أخبرت البعض بالقصة أجابني بأن قعيدة الدار زوج الشيخ مشاركة بجدارة في كل شيء وأن عادات المجتمع فقط هي ما بفرض عليها أن لا تشارك في السمر. 
أسمعت أنا الشيخ محفوظاتي من شعره الإصلاحي فسر بذلك سرورا بالغا وتأثر كثيرا لأن كلماته تلك كتب لها البقاء وحفظتها الأجيال من بعد جيله. لو كتب لي تصوير تلك الليلة ثم عرضته في أرقى كليات الأدب العربي أمام كبار الدكاترة والمتأدبين لعرفوا أين بقع حجمهم الأدبي من خيمة بني يعقوب تلك أوان الأشغال والارتحال.
رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جنته وألهم أهله الصبر والسلوان ولا أراهما الله مكروها

إنا لله وإنا إليه راجعون

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox