معوقات الاصلاح الديمقراطي و الاداري في مورتانيا: رواسب عائقة و ظروف خانقة
الخميس, 07 يونيو 2012 17:01

 

 الدكتور عبد القادر ولد محمدقد يكون من البديهي التذكير بأن رواسب الماضي الذي نشأ ت فيه الدولة المورتانية جعلتها تتميز في نظامها السياسي و الاداري عن الدول المغاربية الاخري ولكن الاهتمام بواقع الانتقال الديمقراطي و الا صلا ح الاداري بمورتانيا و الحديث عن معوقاته  يقودان حتما الي الانطلاق من بداية العلا قة بين المورتانيين و الدولة الوطنية تلك البداية التي ما زالت  برواسبها العائقة تشكل,الي يومنا هذا, ,بحد ذاتها, معضلة  بينة لا ينبغي تجاهلها.

 

 ثم ان الحديث عن العائق الاصلي  يقود بدوره الي سرد معطيات أساسية  حالت او تحول دون ترسيخ مفهوم الدولة و دون ما يعرف في الادبيات الرسمية بعملية البناء الوطني التي شابتها كما هو معروف ظروف خانقة تجسدت في أزمات دورية القت بظلالها القاتم علي المكاسب التي تحققت وزادت من حدة المظاهر المعيقة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي  وجعلت  من معوقات الانتقال الديمقراطي والاصلاح الاداري جملة معهودة من القضايا العالقة في المشهد المورتاني الراهن ,,و من هذا المنطلق  ربما يتسائل العارفون بمورتنيا  و هي تخلد ,هذه الايام, خمسينية الاستقلال ضمن حصيلة نصف قرن من بناء  الدولة لماذا يبقي الاهتمام بالمعوقات اكبر لدي الباحثين من السعي الي معرفة الانجازات؟

 

 ولعل  الجواب علي مثل هذا السؤال يوجد في النقاش الا منتهي الذي يدور  حول الانتقال الديمقراطي والاصلاح الاداري في ما يعرف بالعالم الثالث ذالك الموضوع الذي صار, بمختلف جوانبه النظرية والعملية, في عداد المسلمات المهيمنة علي الفكر المعاصر و التي تتلخص في الاجماع علي صعوبة عملية الانتقال الديمقراطي ببلدان تميزت بأنعدام الثقافة الديمقراطية ونشأت وربما شابت في ظل الاحكام الاحادية,, والواقع انه, خلافا لفكرة سائدة مفادها ان الانتقال الديمقراطي في الدول الافريقية بصفة عامة و في دول المغرب العربي بصفة خاصة  ظاهرة حديثة بدأت ملامحها في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ابان مؤتمر لابول بفرنسا عندما دعا الرئيس فرانسوا ميتران ضيوفه الافارقة الي ارساء قواعد الحكم الديمقراطي ودولة القانون, سبق للكثير من الدول الافريقيه و من ضمنها مورتانيا ان تتعرف علي مظاهر من اللعبة الديمقراطية وعلي اعلان الترتيبات الدستورية و القانونية التي تنظم دولة المؤسسات و وذالك قبل واثناء و غداة وبعد  ما يسمي ''بعهد الاستقلالات'' بأواخر الخمسينات وبداية الستينات,,,

 

و ربما يتعين علينا قبل الخوض في تأصيل و تفصيل معوقات الانتقال الديمقراطي و الاصلاح الاداري في مورتانيا ان نفرق بين الانتقال الديمقراطي الذي غالبا ما ينجم عن وضعية تتسم بالمأزق السياسي و ياتي علي شكل تغيير للسلطة الحاكمة أو انقلاب عليها و التحول الديمقراطي الذي يشكل الغاية المعلنه في النصوص التأسييسية لدولة القانون و الذي يتجلي في مظاهر او مكاسب ديمقراطية يعكسها المشهد المورتاني كوجود هيئات منتخبة (مجالس بلدية,برلمان وصحافة مستقلة و احزاب  الي غير ذالك من تحولات ديمقراطية,,,,,)  

 

فهل ما حدث في مورتانيا هو مجرد ''انتقالات ديمقراطية'' تمليها الظروف المتغيرة بطبيعة البلد المعروف بتناقضاته البنوية وهشاشته الاقتصادية؟ أم هو شكل من بوادر التحول الديمقراطي الحتمي الذي سيجعل عاجلا أو أجلا من مورتا نيا دولة ديمقراطية عادية؟ هل كتبت علينا الديمقراطية كما كتبت علي الذين من قبلنا؟ هل بأمكنانا ان نتصور دولة القانون المعلنة منذ الاستقلال بلا حكم ديمقراطي؟ الم تساهم حملات ''الانتقال الديمقراطي'' في احياء ممارسات مخالفة لدولة القانون و في عرقلة اصلاح الادارة العمومية من خلال الزبونية السياسية؟

 

أسألة كثيرة تلك التي تواجه المسار الديمقراطي بمورتانيا و بطبيعة الحال تختلف الردود ما بين متشائم يفقد كل الامل في بنا ء دولة القانون بمحيط مناوئ لها و متفائل يسعي بنضاله السياسي او بعمله الحكومي الي تغيير الواقع المعاش,,

 

و بغض النظر عن صعوبة التساؤلات التي يعكسها المشهد السياسي يقود منطق البحث الي معالجة  المعوقات  التي تتجلي في عوامل متعددة ومتشعبة ,

رواسب عائقة

 فمن ما لا ريب فيه ان     الانتقال الديمقراطي و الاصلاح الاداري  يواجه في السياق المورتاني مجموعة من المعوقات يمكن استعراضها  من خلال قرائة للتطور السياسي للبلد و خصوصياته، بمقاربة تاريخية ربما تعين علي فهم و  تحليل الواقع الموريتاني المعاصر، حيث يتعين    القاء نظرة  علي المعوقات البنيوية ، التي  صاحبت نشأة الدولة المورتانية وما ترتب عليها من طموحات وأخفاقات كان وما زال  لها أثرا بالغا في محاولة قديمة جديدة  لترسيخ   الشعور الوطني  و مفهوم الدولة و علاقة المواطن بالادارة بفضاء طغت عليه قرون من السيبة,,,,,,

هنالك تجدر الاشارة  من باب التأصيل ان  العلاقة بين المجتمع المورتاني  و الجهاز الاداري الاستعماري الذي سيشكل فيما بعد نواة  الدولة الوطنية  بنيت علي تفاهم أقل ما يوصف به هو انه كان ضئيلأ في غايته و مشبوها في ممارسته.

كان التفاهم ضئيلا  في غايته لأن الاهداف المعلنة من وراء الغزو الاستعماري  تتلخص في تأمين الوجود الفرنسي في المنطقة جنوبا( بالسنغال) وشمالا ( المغرب و الجزائر) و في سبيل ذالك استغلت فرنسا رغبة الامن لدي بعض اعيان البلد الذين سا عدوها علي بسط نفوذها في فضاء السيبة حيث "" لا سلطان و لا دينار""1

كما ان التفاهم كان مشبوها في تأثيره الفعلي لأن السلطة المنبثقة عنه لم تحصل علي ثقة سواد الناس و بقيت مجرد متغلب يسير امور امنية بحتة و قد واجهت مقاومة مسلحة و هجرة مكثفة و رفضا ثقافيا لا مثيل له في المنطقة,

 رسم المستعمر الفرنسي حدودا ما انز ل الله بها من سلطان في ما عرف  ببلاد او "" اتراب البيظان'" و اجبر البدو الرحل الذين لا يعرفون من الحدود الا مسالك الماء و المرعي علي الانتماء الي كيان جديد,,, فباستثناء مجموعات قروية زنجية افريقية بحدود''اتراب السودان""  و تحديدا بالضفة الغربية لنهر السنغال او نهر صنهاجة؟ كان جل الاهالي الذين استهدفتهم الحملة الاستعمارية ,الرامية علنا الي تأمين الصحراء, من  البدو الرحل: اهل خيام وظواعن وقياطن في واحات مبعثرة و في عدد قليل من بقايا المدن التليدة التي طغيت عليها الرمال و خلق البداوة,,,بالمفهوم الخلدوني,    

ومن المعروف  ان  السلطة الاستعمارية لم تترك,في  ذالك الكيان البدوي, بموجب اتفاق تحويل المهام الي السلطة الوطنية الموقع في نوفمبر 1960  منشأت بنوية تذكر و لا مرافق عمومية تشكر بل ان المستعمر الفرنسي ظل طيلة تواجده في البلاد يدير الشؤون الامنية  من وراء النهر بمستعمرته السنغالية.

وقد عبر الاداري الاستعماري المشهور ابيير مسمير عن تلك الخصوصية المورتانية بقوله"" لقد أديرت مورتانيا دون ان تستعمر"" 2 و بالفعل تسلمت السلطة الوطنية زمام الامور في فضاء خالي من العمران و التجهيز وفي دولة تفتقد الحد الادني من الوسائل المادية والبشرية حتي ان  بعض الهيئات الرسمية كانت مضطرة الي عقد اجتماعاتها تحت الخيام كما كانت بعض المهام العمومية تنفذ علي ظهور الجمال,,

حول العجز في الموارد البشرية يقول اول مدير للوظيفة العمومية في مورتانيا :""غداة الاستقلال,  عانت الادارة  من انعدام تام للأطر لأن المستعمر اهتم اساسا بتكوين بعض الوكلاء الفننيين في مجال البريد و المواصلات و التنمية الحيوانية و الصحة و كان علينا ان نبدأ من لاشيئ''3

في ذالك المحيط المعيق لغرس الدولة وجهازها الاداري قام الجيل الاول من القادة المورتانيين بمجهود عملاق تمثل اساسا في تصور و ارساء المؤسسات الدستورية التي تؤسس الوطن و النظام الاداري الذي يسير علي المستوي المركزي و الاقليمي شؤون المواطنين  و مختلف الترتيبات القانونية التي تتطلبها الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في  دولة تسعي لتكون كباقي دول العالم,,, ورغم ما قام به ذالك الجيل المؤسس من مجهودات جبار ة لوضع الاسس ظلت الاغلبية الساحقة من المجتمع , طيلة العقود الاولي التي تلت نشأة الدولة المورتانية, بمعزل عن الجهاز الاداري الذي نصب لها كما ظل الاطار الدستوري و القانون المرسوم بمثابة قيم مثالية بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش,,

وقد شكلت  هذه الفجوة نموذجا من اشكالية غرس حكم القانون  الغربي و تحديدا الفرنسي في المستعمارات السابقة,,,تلك الاشكالية التي  تعد من اكثر المواضيع تداولا اذا ما نظرنا الي حجم الدراسات المخصصة لها4,و لعل ما يثير اهتمام  الباحثين الخاص بالموضوع هو الشعور القوي  بصعوبة التغلب علي الفجوة التي توجد بين النصوص القانونية المقلدة لنظام الدولة الاستعمارية  والواقع الاجتماعي للدولة الجديدة  ,,فرغم مرور عقود من الاستقلال بقي وما زال الي يومنا هذا  الكثير من النصوص القانونية المعمول ينحصر في تطبيقات جزأية و محدودة,,

 علي المستوي النظري تعيد الفجوة البائنة بين القانون و الواقع الموريتاني الي الاذهان  مقولة مونتسكيو الشهيرة ''بأن القوانين مرتبطة بشكل قوي بالشعوب التي سنت لها و عليه فسيكون من الصدفة البالغة  ان تصلح قوانين أمة لأمة أخري'5 و من المنظور العملي  تعددت المقاربات والدراسات الساعية الي  مراجعة شاملة للنصوص القانونية المستوردة لتكييفها مع واقع البلد.

اتسم المجهود التشريعي في الدولة الوطنية بما يعرف بالمحاكاة التقنينية 6 و قد كان ومازال رغم محاولات التكييف مع الواقع  في مضمونه وشكله وثيق الصلة بالنموذج الفرنسي  و بموجب اتفاق تسلم المهام ظلت الدولة المورتانية تسير مواطنيها بقوانين فرنسية في مجالات لم يتم التقنين فيها الا بعد عقود من الاستقلال,,فعلي سبيل المثال ظلت المدونة المدنية الفرنسية سائرة المفعول في مورتانيا الي غاية سنة 1989  قبل اصدار امر قانوني منشئ لمدونة العقود والالتزامات كما ان الادارة والمحاكم المورتانية كانت الي عهد قريب و ما زالت في بعض الحالات ملزمة باسناد قرارتها و احكامها الي نصوص قانونية فرنسية  موروثه عن الحقبة الاستعماريه ,

و الحاصل هو انه رغم وجود ترسانة ضخمه من القوانين و النظم المعمول بها في الدولة الوطنية  ظلت غالبية    المجتمع المورتاني   طيلة العقود الاولي التي تلت الاستقلال متمسكة بنمط الحياة التقليدية في البوادي والارياف الامر الذي ادي الي اشكالية الانعتاق السياسي و الاجتماعي في ظل قطيعة بين نخبة تسعي لبناء دولة علي اساس مرجعيات مرسومة مسبقا و مجتمع خاضع في سلوكه لعقليات مورثة سلفا,,

والحقيقة ان السلوك الاجتماعي الذي واجه السلطة المركزية طالما تجسد في خلط غريب من التصرفات المتغيرة و العقليات المناوئة للنظام العمومي و للقيم الجمهورية المترتبة عليه, فما من شك ان الحاجة الي الامن المعروف في فضاء السيبة بالعافية  ساهمت الي حد كبير في تعزيز مشروعية الدولة و جهازها الاداري , ويمكن القول ان الدولة بالمفهوم الحديث سرعان ما اصبحت تمثل سلطة جديدة او سلطانا جديدا تمت مبايعته طوعا او كرها , علنا او ضمنيا ربما علي اساس قاعدة تجب طاعة السلطان الا اذا أمر بالعصيان,,7

 ولكن الانصياغ الاجتماعي للترسانة الدستورية و القانونية التي يفترض ان تحكم بموجبها الدولة لم يتحقق حتي يومنا هذا بما فيه الكفاية . وتبقي التساؤلات مطروحة: لما ذا يوجد كما هائلا من نفايات القوانين ؟ هل تعكس القوانين السائرة المفعول نظريا عمق التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي شهدها البلد؟

 في الواقع, واجهت الدولة الوطنية عقليات معيقة للأي اصلاح سياسي أو اداري كرفض التمدرس الذي اتخذ ت منه قطاعات واسعة من المجتمع اداة للمقاومة الثقافية ضد المستعمر ,غياب مفهوم الدولة وما ينجم عن ذالك من الانتمائت الضيقة, المنافية لمتطلبات المواطنة , سواءا كانت قبلية او عرقية , ,,,النظر الي الدولة بعيون الريبة بل اعتبارها في بعض الاحوال غاصبة خصوصا في مجال الضرائب و العشرات , في عهد قريب كان الكثير من المواطنين, الذين يمارسون التجارة,  يرون في الجمارك الوطنية و في وكلاء الضرائب قوة غصب  الامر الذي ساهم في سلوك سبل التحايل و التهريب المعروفة بالصحراء الكبري,,بل لا يزال الي  الان يوجد جمع من  المواطنين  يتحاشي التعامل بصراحة مع الجهاز الاداري نتيجة انعدام الثقة المورث من العلاقة بالادارة الاستعمارية,,الامر الذي يتجسد في الاستخفاف بسندات الحالة المدنية و في تزوير الافادات بغية الحصول علي امتيازات من الادارة,, و من تلك العقليات المعيقة لأصلاح الادارة الاخفاء المتعمد للمعلومات اثناء استطلاعات الرأي او الاحصائيات,

 

علي العموم ظلت و ما تزال  ترسانة القوانين و النظم المعمول غائبة  عن   قطاعات واسعة من المجتمع الامر الذي يشكل عائقا بنوييا لمحاولات الاصلاح الاداري ولذالك لم يصل الانصياغ الفعلي للمدونات القانونية و للمفاهيم الاساسية كالجنسية و الوظيفة العمومية و الضرائب و تشريع الشغل الي ادني حد مقبول  ,,

وعلي ذكر تشريع الشغل تجدر الاشارة الي انه تم سن القوانين المنظمة للعمل  في مورتانيا  منذ مطلع الخمسينات اي ابان الحقبة الاستعمارية ألا ان التطبيق الفعلي لتلك القوانين ينحصر في بعض المدن المورتانية حيث توجد مراكز صناعية اوشركات حديثة,و لعل العجز البائن في تنظيم علاقة الشغل علي المستوي المجتمعي شكل احدي ابرز المعوقات التي تحول دون الاصلاحات المعلنة,

 

وفي هذا المجال كثيرا ما يهتم الباحثون  بالعلاقات المورثة عن النظام المجتمعي التقليدي بمورتانيا و ما يميزها من ترتيب و تفاوت فئوئ و ينبغي هنا القول ان  الرق الذي تعد رواسبه من اشنع علامات التفاوت الفئوي تم الغائه  بموجب مختلف دساتير البلد وطبقا لتعليمات ادارية صارمة في الستينات ولكن السلطات المورتانية اضطرت الي سن قوانين اخري لمكافحة العبودية سنة 1980, ثم  سنة2004 ثم 2007  مما جعل مورتانيا تحتل الصدارة عالميا عند ما يتم الحديث  عن الممارسات الاسترقاقية ,,ويعتبر الي يومنا هذا الموضوع من ابرز القضاياالمعقدة  التي تهيمن علي السجال النخبوي في خضم ''التحولات الديمقراطية'' التي يشهدها المجتمع المورتاني,,8

 

كما يقود منطق البحث عن الواقع المورتاني  الي الاهتمام برواسب اخري  لا تقل تعقدا مثل تشابك الموروث الديني وما يترتب عليه من السلوك الفردي والجماعي مع ترسانة القوانين و النظم المعمول والذي تجلي في اختلاف  التصورات علي المستوي النظري  و ارتباك في التطبيق علي المستوي العملي وقد سعت السلطات المتعاقبة منذ الاستقلال الي ارساء توازن بين المرجعية الاسلامية للدولة و سلطة القانون الوضعي وتشكل العلاقة بين الدين و الدولة في مورتانيا احدي المعطيات الثابتة التي طالما تغذي النقاش السياسي ,,

و بالرغم من ان الصيغة المعتمدة دستوريا والتي تفيد بان الاسلام هو دين الدولة والشعب و ان التشريع الاسلامي هو المصدر الوحيد القانون تبدو توافقية في ظاهرها فانه من الصعب تجاوز التناقض البائن ,في بعض الحالات  , بين الشريعة و القانون,,ويتجلي هذا التناقض في بعض النصوص التشريعية  المترتبة علي أثار اصلاح 1983  القاضي بتطبيق الشريعة الاسلامية خاصة في المجال الجنائي والذي تم تعطيله في الواقع,, كما يتجلي, احيانا, في فضلية اتباع  الفتوي علي الانصياغ الي القانون , و في اسناد بعض القضاة احكامهم الي متون فقهية بدل الرجوع الي المدونات القانونية.

 

 ومع ان  أشكالية ثنائية النظام القانوني المورتاني وما يترتب عليها من تناقض بين الشريعة الاسلامية و القانون لم تكن تكتسي اهمية,  علي المستوي العملي, في معالجة الدارسين الاوائل للموضوع 9 ومن ان فقهاء أجلاء من الذين تقلدوا مناصبا سامية في الجهاز الاداري للدولة ساهموا في تقليص التناقض من خلال مقاربة توازنية تسعي الي  تفقيه القانون و تقنيين الفقة10  , فقد ظلت تلك الاشكالية  بابا مفتوحا علي مصراعيه لكل التأويلات,, ,,

 

هنا تجدر الاشارة الي ان الحقل الديني في مورتانيا 11 شهد في السنوات الاخيرة تحولات جذر ية مع صعود التيار السلفي برافديه الاصلاحي و الجهادي و لم يعد حكرا للحلف التقليدي المتمثل في ثلاثية العقد الاشعري و فقه مالك وطريق الجنيد السالك,,وتختلف تماما الروئ السياسه للفرق الاسلامية ,,فالحلف التقليدي يفتي بطاعة السلطان,,والاصلاحيون يومنون بالديمقراطية,, أما الجهاديون فيكفرون بما وراء الديمقراطية و و بما وراء السلطان.

 

و للحديث شجون,,الا ان ما يهمنا  هنا هو الاشارة الا ان استغلال الحقل الديني علي اساس ترتيبات دستورية و قانونية غامضة شكل في الماضي و قد يشكل في المستقبل  عائقا للأنتقال الديمقراطي  و للأ صلاح الاداري..

 وينبغي التنبيه الي ان تسمية مورتانيا بالجمهورية الاسلامية ترتبط اساسا بالمسألة الثقافية  بل الوطنية  في نظر البعض التي تشكل بدورها احدي الرواسب العائقة فكما مو معلوم طغت الخلافات المتعلقة بالهوية الثقافية للبلد علي تاسيس الدولة الوطنية و يبدو ان الدافع من وراء التسمية كان يتلخص في ايجاد صغة توافقية بين القوميين العرب و نظرائهم من الزنوج الافارقة12,,وقد قوبل الاقتراح انطلاقا من قاعدة'' الشعب المورتاني مسلم مائة بالمئة"" و في الواقع لم تمنع الهوية الاسلامية التوافقية من اندلاع اول أزمة ثقافية في السنوات الاولي من حياة الدولة الوطنية.   تجسدت الازمة في صراع  حول لغة الادارة, تحت غطاء التعددية العرقية, بين نخبة متفرنسة تدافع عن موقعها في جهاز الدولة و اخري عاربة أ ومستعربة ترفض هيمنة المتفرنسين,,, طالما شكل الصراع اللغوي وجها من عوائق اصلاح الادارة العمومية,,,,و   تواصل ذالك بأسماء متغيرة و في ظروف مختلفة,,

 

ظروف خانقة

-أسست مورتانيا علي انقاض صحراء الملثمين المرابطين وفي  بلاد التكرور و  شنقيط و قد عرف اهل تلك البقاع بالمغرب و بالمشرق بتعلقهم بالثقافة الاسلامية العربية و كان لسان حال اغلبيتهم يقول:

 

اننا بني حسن دلت فصاحتنا انا الي العرب العرباء ننتسب

 –ان لم تقم بينات اننا عرب ففي اللسان بينات اننا عرب

 

الا ان لغة  الجهاز الاداري كانت ومازالت الي حد ما  اللغة الفرنسية و قد أدت, كما اشرنا الي ذالك , اول محاولة للتعريب الجزئي للأدارة العمومية الي أزمة بالغة الخطورة ابان ما يعرف بأحداث 1966 التي شكلت  تحديا مبكرا للوحدة الوطنية,,وعلي اثر ذالك تلك الاحداث صارت المسألة الثقافية المتعلقة بالتعليم و ما تخفي من تعارض المصالح  سببا معيقا للأصلاح الاداري و قد تسببت في عدة أزمات معيقة للتقدم الاقتصادي و الاجتماعي..

 و مع ان البعض يري ان الصراع اللغوي تم حسمه دستوريا و يري أخرون ان اللغة مسألة ثانوية تجاوزها العصر يلاحظ من حين الي أخر ان التجاذب بين النخبة المعربة و النخبة المفرنسة ما زال من ضمن العوائق التي تطرح في الحوارية الملازمة للأنتقال الديمقراطي و رغم الجهود التي بذلت في مجال التعريب و الترجمة تبقي المسألة الثقافية ببعدها اللغوي, , حاضرة في المشهد السياسي المورتاني و  تتغذي من ثنائية التعليم العربي –الفرنسي,,

 

أضافة الي الازمة الثقافية التي تستمد جذورها من ""الصراع اللغوي'' بين النخب في أوائل الستينات  و ما يترتب عليها من عوائق للأنتقال الديمقراطي و للأصلاح الاداري عرفت مورتانيا تحولا جذريا في منتصف السبعينات بسبب اكبر أزمة طبيعية في تاريخها المعاصر.

 

حل الجفاف لياتي علي الاخضر واليابس في ربوع كانت تؤمن بثروتها الحيوانية  وبمنتوجها الزراعي اكتفائا ذاتيا لمجتمع بدوي و ريفي لايعرف من المدن القليلة بالبلد الا اسواقها, نزح معظم السكان من البادية والارياف ليتجمهورا بخيامهم و بأكواخهم حول التجمعات الحضرية التي كانت غالبا ما تفتقد المقومات الاساسية للحياة والتي لم تصمم, اصلا , لأوائهم ,,

شكل النزوح ضغطا مفاجئا بالنسبة لأدارة عمومية لم تفلح بعد في توفير مستلزمات العمران و اضطرت الي مد اليد بغية الحصول علي العون الانساني الدولي لأسعاف الناز حين,,اكتشف هؤلاء ان الدولة التي كانوا لا يرجون منها الا ''العافية'' تعطي الزرع  و الضرع ,,فمدو لها اليد,, ولسان حالهم يقول : انا نرجو اذا ما الغيث أخلفنا....من الخليفة ما نرجو من المطر ,,,

يمكن القول انه في خضم هذا النزوح الجماعي في  سنوات ""الجفاف" ,تحولت الرؤية  الامنية التي كانت توجد  لدي غالبية المواطنين للدولة ولجهازها الاداري الي نظرية ""البقرة الحلوب'', لم يعد السؤال كما كان من قبل كيف نسلم من الدولة أو, كما هو معهود شعبيا, من ''الحكومة'' ؟ بل اصبح منذ "عهد الاسعاف" الي يومنا هذا هو ما ذا يمكن الحصول عليه من الدولة؟

تكاثرت احياء الصفيح علي شكل احزمة من البؤس تحيط بالمدن لتضم ألاف المواطنين في وحدات سكنية مجردة من ابسط وسائل العيش الذي يليق بكرامة الانسان, غيرت الفاجعة التي قادت الوافدين من البادية والارياف, رغبة في الحصول علي مستوي حياة أفضل, الاحوال الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لغالبية المواطنين و رغم الخطط و المقترحات مازالت السلطات الادارية تواجه , الي يومنا هذا, مشكلة احياء الصفيح التي تعتبر من اكبر عوائق الاصلاح الاداري و التي طالما شكلت محورا مركزيا في فعاليات الانتقال الديمقراطي,

يقول لسان حال المورتانيين ما قاله شاعرهم: "نحن شعب قد صلبته المئاسي"..سهرته الألام و النكبات.,,,,, فبينما كانت الدولة المورتانية منهمكة في تسيير الواقع  الكارثي الذي فرضه الجفاف ,دخلت, فجأة, بعوائقها البنيوية في حرب الصحراء  و خرجت منها بمعوقات ظرفية اثرت بشكل بالغ في مسار مورتانيا التنموي و في تطورها السياسي و أعادت ترتيب الاولويات,, , 

ومهما قيل  او يقال عن نتائج الحرب و الخسارات التي الحقت بمورتانيا فانه ما من شك ان البلد دخل منذ انقلاب  1978 مرحلة من الغليان السياسي غيرت جذريا المسار الاداري للدولة و خلقت ثقافة سلطوية مغايرة لما كان عليه الحال قبل الحرب,

انتشرت في معظم الدول الافريقية نظرية تبلورت في المراكز الجامعية, علي وجه الخصوص الفرنسية, مفادها ان المؤسسة العسكرية هي الهئية الوحيدة المتماسكة في تلك الدول و لذالك يمكن و يجب ان تمارس السلطة السياسية حفاظا علي وحدة النسيج الاجتماعي الهش , توالت الانقلابات  منذ البيان رقم واحد و عرفت مورتانيا حالة من الاضطراب السياسي المعيق لتطور دولة المؤ سسات,,انشغلت الاحكام المتعاقبة أنذاك بتسيير الازمات و الاضطربات ,برزت  من جديد المطالب المتعلقة بالمعوقات البنيوية كالمسألة الثقافية و وصراع الهوية  الي غير ذالك من المظا هر الحادة للتجاذب السياسي المعيق ,,

تسارعت الاحداث لتدخل مورتانيا في أزمة مع شقيقتها السنغال سنة 1989 كادت ان تقود الي حرب أخري ,,ومع النزاع المؤسف تحولت الازمة الثقافية البنوية الي صراع عرقي يهدد كيان بني علي اساس التعايش الاخوي بين الاعراق ,ففي اكبر ترحيل بشري عرفه البلد تم ابعاد مواطنين مورتانيين  من اصول افريقية زنجية في جموع السنغاليين و بالمقابل كان علي مورتانيا ان تستقبل كما هائلا من مواطنيها المبعدين من السنغال و من ضمنهم سنغاليون من اصول مورتانية13,,

بعد العاصفة اهتز النظام العسكر ي الذي واجه وطنيا ثم دوليا مأخذ متعددة تتعلق اساسا بانتهاك حقوق الانسان و من بينها في نظر القوي الدولية المهيمنه  ""اتهامه بالتحالف مع العراق,,اندلعت حرب الخليج و جائت العولمة معززة بأنهيار جدار برلين و  تغيرت خريطة العالم علي اساس مبدأ " اما ان تكون معنا أوتكون ضدنا""  الذي رسمه بوش الاول قبل ان يرسخه بوش الثاني ,, كان علي النظام العسكري ان يعيد ترتيب اوراقة ولذالك انصاغ لتطلعات جزء من النخبة السياسية  المطالبة بالديمقراطية و لضغوط الصديق الحميم المستعمر السابق  الذي دعا الافارقة في لأبول الي وضع حد للأنظم الاحادية  و اعتماد الديمقراطية كفرض عين,,

نسي  االطالب و نسي المطلوب او تناسوا  ان عهد الاستقلال بدأ بالتعددية الديمقراطية التي ما فتئت ان وئدت بأعتبار الافارقة غير ناضجين لممارستها ووفقا لمذهب فطاحلة علماء القانون الدستوري والمؤ سسات  المحاكي للقانون الفرنسي تم التنظير المنهجي لحكم الحزب الواحد للحفاظ علي الوحدة الوطنية,,ثم بعد ذالك  صيغ  التشريع لحكم ا لمؤسسة العسكرية بوصفها الحامية الوحيدة, من قبل ومن بعد, للمشروعية الوطنية  ,ليعود المنظرون من جديد الي تسويق الديمقراطية بوصفها الطريق الوحيد الذي يقود الي النجاة و يخلص من الجمود,,

في سنة 1991 انطلق في مورتانيا ما يعرف في حوليات التاريخ الراهن بالمسار الديمقراطي 14و قد سبق للبلد ان نظم انتخابات بلدية في سنة 1986 ساهمت , نسبيا,في تسهيل الجانب الانتخابي لعملية الانتقال الديمقراطي,, رغم ماواجهت تلك العملية من صعوبات و معوقات وما يترتب علي ذالك من انتقادات و تأويلات متعارضة يمكن القول ان مورتانيا تعودت منذ تلك الفترة علي مظاهر ديمقراطية تتجلي في تنظيم الانتخابات , صحافة مستقلة, مؤسسات دستورية , احزاب , مجتمع مدني صاعد ,,, كما ان الانفتاح الذي شهدته البلاد و ما صاحبه من استقرار سياسي نسبي مكن الي حد ما من تنفيذ  بعض برامج التنمية الاقتصادية و المنشأت البنيوية كالطرق وايصال الكهرباء الي بعض المدن النائية,  و زيادة الغطاء التعليمي و الصحي,,

الا ان التجربة الديمقراطية المورتانية حملت في طياتها المعوقات التي ستقود فيما بعد الي تعثرها ولعل من اهم تلك المعوقات يكمن في تناقضات مجتمع ذي تركبة معقدة,,فسرعان ما اظهر المشهد الديمقراطي مسلكيات مخالفة للأنعتاق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يجب ان يكون, في نهاية المطاف, الغاية من وراء الانتقال الديمقراطي  و الاصلاح الاداري,,

لقد كرس التمثيل الديمقراطي فضلية العدد الانتخابي علي الكفائة و بغية ارضاء كبار وصغار الناخبين تكاثر الضغط علي ""البقرة الحلوب"" , تحولت الادارة من اداة للأصلاح الي جهاز لشراء الذمم , انتشرت الزبونية السياسية, طغي علي التعيينات في المهام العمومية طابع معيار النفوذ الانتخابي بدل معيار المردودية,,أرتبط تسيير الادارة للمال العام بتهمة الفساد ,,,  وبالجملة   فقدت السياسه غايتها النبيلة المتمثلة في خدمة الوطن لتصبح اداة لجلب منفعة تافهة بأصوات المواطنين,,

قاد منطق العدد الانتخابي الي احياء القبيلة و العشيرة و البطن و الفصيلة في تنافس معيق لترسيخ روح المواطنة و مثير للفتن ما ظهر منها و ما بطن ,,

عززت تلك المسلكيات المعيقة للأ نتقال الديمقراطي  و للأصلاح الاداري اتهامات المعارضة المتعلقة بمدي جدية المسار الديمقراطي  و رأت في تفاقمها تأكيدا  لصواب رفضها الاصلي له, تصرفت السلطات الادارية بعقليات معيقة للدمقراطية مستمدة من عهد القوانين الاستثنائية وتجلي ذالك في حل  أحزاب معارضة ومصادرة صحف مناقضة و سجن شخصيات رافضة,,,

تكاثرت المأخذ ومن اهمها ادراك المعارضين وغيرهم من الرافضين و المهمشين و المحرومين ان التناوب مستحيل و شعورهم بأن وصولهم الي السلطة محال ,, تعددت العوامل الموضوعية لأحداث تغيير او انقلاب او انتقال ديمقراطي جديد ..  , و عادت مورتانيا الي  الصراع علي السلطة الذي يعد, بلا شك, من أمهات المعوقات,,,

قبل المحاولة الانقلابية الدامية التي وقعت سنة 2003 كان أخر عهد مورتانيا بالمحاولات الانقلابية الجديرة بالذكر في سنة 1987 عندما اتهم النظام الحاكم مجموعة من الضباط الزنوج بالسعي للأطاحة به ,,وقد أدي ذالك الحدث الي انتهاج سياسة قمعية متشددة تجاه القوميين الافارقة الزنوج عسكريين ومدنيين و حصلت تجاوزات و انتهاكات  لحقوق الانسان في ما يعرف بسنوات الجمر,,(1987-1990),,,ورغم سياسة الانفتاح التي انتهجها النطام في ما بعد بقيت أثار تلك الازمة العرقية التي تتغدي من العائق البنيوي الثقافي  من اهم عوامل عدم الاستقرار السياسي في البلد وبالتالي من ابرز مظاهر عوائق الانتقال الديمقراطي ,,

الا ان ما حدث في في سنة 2003  دق ناقوس النهاية,,,,يحسب قادة  تلك المحاولة الانقلابية علي التيار القومي العربي و يحظون ببعد جهوي و قبلي    طالما كان سندا موضوعيا  للنظام الحاكم,,وفي تلك الاثناء دخل الاسلاميون وغيرهم من اطياف المتذمرين علي خط المواجهة,,, كان من الواضح ان المعارضة التقليدية التي نشأت ابان مسلسل بداية التسعينات و التي لم تفلح,رغم ما عانته من مضايقات ,  في زعزة النظام   تعززت برغبة جديدة في التغيير,,أو في الانقلاب,,  ,, عادت حليمة الي عادتها القديمة:المعالجة الامنية,القمع,,المحاكمات,,الاعتقالات,,,,  ثم عاد الجيش الي السلطة من جديد,,,

في أغسطس  سنة 2005 عاد الجيش الي السلطة و عاد معه الحلم بأنتقال ديمقراطي اخر,,وبأصلاح اداري جديد ,,في ذالك اليوم فرح المعارضون...و لعل ما يثير الانتباه في مورتانيا هوان يفرح المساندون للنظام المطاح به,, السياسة أو بولتيك في مورتانيا لها قواعدها الخاصة طالما طبعها وجود طبقة من السياسيين تتعامل بأيجابية مع أي نظام جديد و يتهمها خصومها بالانتهازية,,الا انه ينبغي التذكير بان ما يعرف بجماعة اهل الحل و العقد من وجهاء واشياخ و اغنياء و موظفين سامين الي غير ذالك من ذوي النفوذ الاجتماعي دأبو علي مساندة السلطان المتغلب علي اساس قاعدة ..من اشتدت شوكته وجبت طاعته,

ولعل ما يعزز مثل ذالك الانطباع السائد يكمن في عقلية شعبية راسخة توصي  بالتعامل مع رأس النظام القائم  بدل المؤسسات و الاحزاب,   تلك الثقافة السلطانية التي يري فيها بعض الباحثين  الاصل المعيق للتحول الديمقراطي,, كما ان المعارضة كظاهرة  ديممقراطية سليمة لم تترسخ بعد في أذهان جمهور المواطنين الذي لا يهمه , أساسا, ألا رمز الدولة ومن يمثله... "" فالنظام  الحاكم هو الذي عنده ما يعطي أو ما بأمكانه نزع ما يريد عند الحاجة15

وعودة الي حدث أغسطس 2005 ,  شهدت مورتانيا , في جو غريب من التوافق بين المساندين للسلطة المخلوعة و معارضيها انتقالا ديمقراطيا  نوعيا وشهد لها العالم بذالك,,ورغم اكتمال المسلسل الديمقراطي في اقل من سنتين بانتخاب سلطات بلدية و تشريعية و رئيس مدني 16 برز  عائق الصراع علي السلطة من جديد ليتجسد في أزمة خانقة بين أغلبية النواب المدعومة من المؤسسة العسكرية من جهة و الحكومة المنتخبة من جهة اخري,,تدخل العسكر من جديد في أغسطس 2008 و دخلت مورتانيا في أزمة جديدة معيقة للأنتقال الديمقراطي و للأصلاح الاداري الملازم له,,

بعد ما يعرف بأتفاق دكار بين الاطراف المتصارعة علي السلطة و علي اثر الأنتخابات الرئاسية التي نظمت في يوليو 2009  بموجب ذالك الاتفاق وبمباركة من المجموعة الدولية شهدت مورتانيا انتقالا ديمقراطيا جديدا,17 ,وبالطبع تتباين الاراء والمواقف حول تقييم الوضع الحالي بين الموالاة و المعارضة,,وما بينهما,,,و  و ربما يوجد في صدي الدعوات والمبادرات الداعية  للحوار الوطني و الي المقاربة التوافقية  شعورا  مفاده بأن البلد لا يتحمل اطالة  الصراع السياسي علي السلطة خصوصا في ظرف التحديات الامنية التي يواجهها حاليا لمكافحة الارهاب,

الا ان ما يهمنا هنا هو التنبيه علي ان مواجهة المعوقات البنيوية و الظرفية  التي شكلت و تشكل تحديا للأنتقال الديمقراطي و الاصلاح الاداري في مورتانيا تنعكس ,عمليا’ بالنسبة لأي حكومة, في مجموعة من الخطط و البرامج و المشاريع المعتمدة و لعل القاء نظرة سريعة علي الخطوط العريضة لأولويات ولمتطلبات ما يعرف ,جملة, بالحكم الرشيد في مورتانيا يعين علي تصنيف المعوقات العملية التي تتجلي في قضايا عالقة,,,  

قضايا عالقة

تكاد الاعمال والاقوال المتعلقة بتشخيص و بمكافحة و بمعالجة معوقات الانتقال الديمقراطي و الاصلاح الاداري بمورتانيا تنحصر اليوم في عنوان الحكم الرشيد18 الذي صار في خضم العولمة مرجعية متفق عليها,,و غالبا ما تعكس الدراسات في هذا المجال صيغة نموذجية من السياسات العمومية المعتمدة في عدة بلدان.

 تجدر الاشارة الي ان الغاية من العصرنة التي تصبو اليها تلك الدراسات هي في الاساس اصلاح الادارة أو تطهيرها من الشوائب العائقة للتقدم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي.

ألا ان الا طار  المرجعي  لعصرنة الادارة المنبثق عن مختلف الدراسات 19 سيبقي في سجل القيم الافتراضية ما لم يتغير السياق الاقتصادي والاجتماعي المعني بها ,ولذالك يتعين في الحالة المورتانية التميز بين معالجة الصعوبات البيروقراطية المتعلقة بتحسين أداء الادارة العمومية كمراجعة الاطار التنظيمي أوكوضع أليات لضمان جودة المرافق العمومية أو كأدخال التقنيات الجديدة...و التعامل الواقعي مع العوامل الموضوعية التي تعيق الاصلاح الاداري و التي تكمن مظاهر منها:

-النسبة المئوية للأمية المرتفعة  و ما يصاحبها من الفاقة المنتشرة, وكما هو معروف يعكس هذا المظهر تحولا عميقا في تشكلة المجتمع المورتاني التقليدي الذي شهد نموا ديمغرافيا لفئات اجتماعية عانت من التهميش الاقتصادي و الاجتماعي و قد دفع ذالك المظهر  الدولة المورتانية الي انشاء ادارات متخصصة في مكافحة الامية و الفقر و دعم تلك الادارات باطارات قانونية استثنائية و منحها , طبقا للنصوص, الاستقلالية الازمة,,

وبغض النظر عن الاسباب المثيرة للجدل التي أدت الي تدني الحصيلة الفعلية لذالك التوجه  فان الانتقال الديمقراطي و ما يستلزم من اصلاح اداري سيبقي معلقا ما لم تتغلب الدولة المورتانية علي هذا العائق البائن,,

-و ترتبط بالامية العائقة قضية اخري عالقة تتعلق بأصلاح منظومة التعليم التي صارت تعد من ضمن اكبر و أخطر الاخفاقات في البلد ,,فرغم الجهود و الدراسات و البرامج المتبعة بأيعاز من الهيئات التمويلية الدولية والاقلمية و رغم المجهود الوطني الباهظ يوجد اجما ع علي ان قطاع التعليم في مورتانيا معيقا لأي عملية اصلاحية,, 20

-كما ان الاستراتجية المتبعة لمكافحة الفقر ستظل قاصرة اذا لم يحصل دفع للأقتصاد الوطني من خلال انشاء فرص للعمل  بغية تقليص البطالة و يشكل هذا العائق جزأ من الازمة الاقتصادية العالمية الخانقة الا ان بعده المأساوي كثيرا ما يقود جزئ من الرأي العام الي التساؤل عن جدوائية  ديمقراطية لا تسمن و لا تغني من جوع...

-ومن ضمن القضايا المعلقة يكثر الحديث هذه الايام في مورتانيا عن جهود تقوم بها السلطات الادارية بغية التغلب علي التقري العشوائي و علي احياء الصفيح في المدن الاساسية و الحقيقية ان هذه المظاهر المشينة تشكل عائقا لمفعول برامج الاصلاح الاداري ,,فمن المستحيل ان نأمل في تحقيق اهداف الخطط التنموية و في تحسين اداء الادارة العمومية في غياب تنفيذ خطة للأصلاح الترابي,,

تظهر دراسة اعدت في السنوات الماضية ان % 88   من المواضع المقطونة علنا يقل سكانها عن   500 نسمة, وتعاني الجهود الرامية الي توسيع  و تنظيم الخدمات العمومية من التبعثر عن هذ الشكل من العمران البدوي الذي يعكس عقلية معيقة للأصلاح الاداري المنشود. كما تفسر هذه الظاهرة الفوضوية مختلف القضايا العالقة,,مثل التسرب و التغيب في التعليم ,,صعوبة امداد المواضع المتبعثرة بالمنشأت الضرورية للحياة: الماء الشروب و الانارة ,,

تشكل ظاهرة الاسكان العشوائي تحديا يستمد جذوره, كما ذكرنا سابقا, من الرواسب العائقة و قد تعاملت معه الحكومات المتعاقبة بحذر بالغ لما يتربب عليه من الاثارة  الا انه من الاولويات التي تنبغي معالجتها,,ففي المدن الكبري مثل انواكشوط العاصمة و انواذيبو العاصمة الاقتصادية اعتمدت الدولة في'" سنوات الاسعاف"" سياسة تقسيم القطع الارضية لأيواء النازحين وسرعان ما أدت تلك السياسة الي تكاثر احياء الصفيح ,,و صار الحصول علي قطعة ضربا من المضاربات ,,امتدت مدينة انواكشوط نحو كل الجهات الا نحو السماء ,,وعجزت مدينة انواذيبو عن الامتداد في مياه الاطلسي  المحيطة بها ,,و عجزت السلطات الادارية عن توفير الخدمات ,,

صارت ظاهرة السكن في احياء الصفيح من مصادر  أدبيات و علم الاجتماع,, و بمناسبة كل احصاء اداري يتكاثر الراغبون في القطع الارضية , ويتشاجرالطامعون  في الاسبقية, ,نشأ ما يعرف شعبيا بمنطق الكزرة بمعني الاستخفاف بالنظام و بالقوانين,,

في أحياء الصفيح  نشأت اجيال من المورتانيين لها مسلكياتها الخاصة و تمثل في عقلياتها قطيعة مع المجتمع البدوي الذي أسس له المستعمر دولة تؤمنه في مجاباته الكبري,, أما جيل احياء الصفيح الذي  نشأ في ضيق من عسره و أمل بيسره ,,ربما يري في الدولة حي انتظار,,,

-وقد ابرزت التجربة الديمقراطية مظهرا من العمران البدوي معيقا للأصلاح الاداري حيث  تعددت التجمعات العشائرية وتزايد الضغط علي طلب المرافق العمومية طمعا في رموز السيادة القبلية التي تتمثل في مسجد اهل فلان و مدرستهم  و مائهم ,,,ومكتب تصويتهم.

يمكن القول ان تنفيذ الخطة العمرانية سيكون لا محالة المعيار الاساسي لتقدم الحداثة الذي تجسده عملية الانتقال الديمقراطي و الأصلاح الاداري والمفتاح لتجاوز  اهم المعوقات العالقة. فلعله السبيل الانجع لدمج تراكمات التاريخ  و تناقضات المجتمع في دولة المواطنة,,

كما ان الاصلاح الاداري يتطلب التنسيق بين المصالح الادارية نفسها  و في سبيل ذالك انشأت الدولة المورتانية بموجب قانون صادر بتاريخ 18 يناير 1993 المجلس الاعلي للوظيفة العمومية والاصلاح الاداري  الا انه لوحظ بعد ذالك ان الاصلاحات الجزئية او القطاعية  كثيرا ما تتم دون التشاور االازم,,و قد تتسبب عدم التنسيق الاداري في خلق عوائق عديدة من ضمنها تشابك المهام بين بعض مصالح الدولة, تعارض الاجرائات الادارية, خرق النصوص,,

-لأجل ذالك يتعين تجاوز العائق البشري المتمثل في احصاء الموظفين و توظيفهم الفعلي في المهام المستعجلة..فالوظيفة العمومية بدورها عانت من تشغيل المفرغين..,ومن توظيف المسييبين ,,فكم من معلم يختفي في الادارة خشية التدريس ؟ و كم من اداري يمارس التجارة خشية الاملاق؟ و كم من تاجر يختبأ في الوظيفة خشية الانفاق؟

- ومن الازم في هذا الصدد التغلب علي العائق  المتمثل في الوضعية المادية للموظفين فالاصلاح الاداري يتطلب تأمين ادني حد ممكن من العيش الكريم لوكلاء الدولة,,ففي كرامة الموظف تكمن كرامة الدولة وهيبتها,,,وكما هو معلوم   تزداد الحياة غلائا يوما بعد يوما نييجة لعدة عوامل منها ما هو عالمي و منها ما هو وطني ,,ومهما يكون  من امر ورغم تحسن تدريجي في الاجور يبقي الوضع المادي لوكلاء الدولة من الاسباب الاساسية التي أدت الي تدني الخدمات و الي هجرة العقول,,و الكفائات,,, 

وقد تناولت  عدة دراسات فنية21  وضع الموظفين في جملة من المعوقات :

 -منها ما يتعلق  بسيايسة تسيير عمال الدولة وذكرت علي وجه الخصوص من ضمن المعوقات: -جهل النصوص  وعدم التمكن من ادارة الوكلاء المسييرين نتيجة التسيب..

  -ومنها وجود وظيفة عمومية غير مصنفة وهي ظاهرة ناتجة, في الاساس, عن الضغط الاجتماعي والسياسي علي الادارة بغية الاكتتاب,,فكما هو معلوم يعتبر  التحكم في التوظيف بألادارة العمومية من ضمن الاهداف التي تمليها متطلبات الاصلاح الاداري ولذالك سنت قوانين صارمة في مجال الاكتتاب,,الا ان ذالك لم يمنع ظاهرة التوظيف الغير مباشر تحت غطاء التعاقد مع وكلاء علي اساس افادات بأداء الخدمات,,و قد تضخمت هذه الظاهرة و''فتحت مجالا واسعا اما م عدم المساواة و الظلم والتحايل علي أموال الدولة وانواع المحسوبية""

و منها مايتعلق بفوضوية تكوين الموظفين الذي يتجلي في امور من ضمنها متابعة عدد كبير من الموظفيين لدراسات لم تدرج في حاجيات الادارة,و ما يترتب علي ذالك من تغيب عن العمل  و خرق للأجرائات الادارية,,

وبغية التغلب علي معوقات الاصلاح الاداري اجمعت  مختلف الدراسات التي اعدت في هذا المجال علي رسم اهداف واضحة كتحسين تسيير و توظيف الطاقات البشرية في الجهاز الاداري للدولة و تعزيز التصور الاستراتيجي لسياسات الاصلاح و الاستفادة من التعاون الدولي ومحاربة الفساد  و التقييم المستديم للسياسات العمومية....

وقد احتلت في الاونة الاخيرة محاربة الفساد صدارة ملحوظة في الاهداف المذكورة اعلاه في الخطاب التعبوي و ما من شك ان  مثل ذالك الخطاب الذي يري البعض فيه ضربا من الشعوبيه ومن المزايدة السياسية و الذي لقي صدي لدي جزء هام من الرأي العام, يعبر عن عائق حقيقي لأصلاح الادارة العامة ولتوطيد  المؤسسات الديمقراطية بالبلد,و قد يكون من المبكر الحكم علي حصيلة ما تم انجازه في هذا المجال لأن اشكالية  الواقع المعيق و الاهداف المرسومة تفرض, من باب موضوعية البحث عن الحقيقة, التريث في قاعة الانتظار ,,

فبين  الاهداف و الواقع توجد كما هوبائن مسافة محفوفة بمعوقات الاصلاح الاداري في دولة تتبني علنا نظام المؤسسات الديمقراطية  ,,,و يبقي  الامل, في  بلوغ  تلك الاهداف, مطلبا واردا,,,ويبقي العمل, من اجل تنفيذها, واجبا ملزما...,,,

 من هذا الزاوية تفرض الخلاصة نفسها و لذالك ينبغي القول انه بالرغم من المصادر و المظاهر المعيقة للأ نتقال الديمقراطي و للأصلاح الاداري في مورتانيا توجد في البلد مقومات ثابة لتوطيد المسار الديمقراطي...فالبلد غني بثرواته, فخور بحضارته المتنوعة, , معتز بقيمه الدينية والاخلاقية,,كما توجد في مشهده السياسي رغم تعقده و اختلافاته و تناقضاته , تطلعات توافقية تصب كلها  في ضرورة ارساء العدل بدولة القانون و ما تسعي اليه من اصلاح اداري و تنمية شاملة ,,و لعل مفهوم ""دولة القانون""  يجسد ,لد ي المورتانيين, حلما يفوق , من باب الفضل, بكثير المطلب الديمقراطي ,  لما يترتب علي ذالك الحلم  من ما ينفع الناس,,, الذي يمكث ,في البلد,

 

عبد القادر ابن محمد

قانوني-باحث –وزير سابق

 

مداخلة في ندوة الانتقال الديمقلراطي 11-12نوفمبر 201

ٌبجاامعة الحسن اللاول اسطاط ..المملكة المغربيه

-الاحالات:

1-الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل ابن مامين, في رحلة الحج(مخطوط اسري) ترجم الي اللغة الاسبانية في:

Un mundo propio :  El Cheij Ma El Anin, el pais que no conoce sultan ni dinero (1854- 1856) in relatos del sahara español , libros clan A;graficas S.L Madrid  pagina 15 y s 

 

2-Pierre Mesmer, les Blancs s’en vont (récits de la décolonisation)   éditions Albin Michel Paris  1998 page 61 

 

3- Souvenirs du “Père “ de la fonction publique in journal Horizons n° 5365 (Mauritanie) du 2 novembre 2010 page 5 

 

 4-Les aspects juridiques du développement économique (études préparées à la demande de l’Unesco sous la direction d’André Tunc Paris librairie Dalloz 1966)

Les Droits Africains (évolution et sources) par P.F GONIDEC, Paris Librairie Générale de Droit et de jurisprudence 1976 

5- Montesquieu, de l'esprit des lois, Classiques Garnier, 1973, t. II, p. 429). La convenance locale (« à chaque société »), 

6- le mimétisme juridique, BRETON (  (المحاكاة النقنينية

TRENTE ANS DE CONSTITUTIONALISME D'IMPORTATION DANS LES PAYS D'AFRIQUE NOIRE

FRANCOPHONE ENTRE MIMETISME ET RECEPTION CRITIQUE  COHERENCES ET INCOHERENCES (1960-1990)   http://www.afdc.fr/congresmtp/textes7/BRETON2.pdf

 

 

 

 

معوقات الاصلاح الديمقراطي و الاداري في مورتانيا: رواسب عائقة و ظروف خانقة

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox