لكي تضيق "الحلبة"..!!
الاثنين, 11 يونيو 2012 13:44

 

حبيب الله ولد أحمد

(تحذير حكومي / ينصح بأن لا يترك هذا المقال في متناول "الأطفال" فوق عمر 80 سنة...ويجب إبعاده قطعيا عن أصحاب الحساسية المفرطة تجاه "نظرية المؤامرة")

أحيانا نكون بحاجة لتصديق "نظرية المؤامرة"،وإسقاطها على حادثة هنا أوهناك..لكنه من الظلم أن نطالب الآخرين بتصديقها أو حتى مجرد التفكير فيها.

دعونا هذه المرة أيضا ننطلق من هذه النظرية- ولو مؤقتا- لنتوقف عند أزمة الشد والجذب الحالية بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وابن عمه الرئيس السابق أعلى ولد محمد فال، دون الغوص في ما (تحت الطاولة) من علاقة قرابة اجتماعية حميمة، لا يمكن لأية مواقف سياسية أو حتى أمنية إلغاؤها أو القفز عليها(فلو أن سيارة أحد الرجلين الشخصية دهست لا قدر الله ناقة أو جملا أو حمارا وطلب أصحابه تعويضا لدفع الآخر نصيبه من"النائبة"(لا أعنى النوائب البرلمانية ) باعتباره فردا من أفراد القبيلة الذين تذوب كل الفوارق بينهم ساعتها).

لننظر فقط إلى ما (فوق الطاولة)، فعلينا بالظواهر ونترك السرائر لله الذي "يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور"، وسنلاحظ – يقينا- أن ما يجمع الرجلين - خارج إطار القبيلة والمؤسسة العسكرية وعالم المال والأعمال-  أكثر مما يفرقهما، لا نتحدث هنا عن المؤهلات الشخصية، والمستويات السياسية، والثقافية، والخطابية، والأخلاقية، والعلمية، وحتى العسكرية، بقدر ما نتحدث عن طريقة التفكير والتكوين، فهما رجلان عسكريان، بثقافة أجنبية تتسع عند أحدهما(أعلى) لتضيق عند الآخر(عزيز)، وإن كان أعلى رجل أمن (بالقوة إذا لم يكن بالخبرة، فقد شهد بعضا من معارك الصحراء الغربية، وأدار معركة واحدة - على الأقل- للدفاع عن نظام ولد الطايع، كما  تربع لعقود من الزمن على إدارة الأمن الوطني التي ليست أكثر من ذراع أمني استخباراتي ضارب، يستخدمه النظام القائم عادة لترويع خصومه السياسيين والأمنيين، والتضييق عليهم وملاحقتهم، وفبركة تهم جاهزة للزج بهم في السجون بجرة قلم، وتعذيبهم وإبعادهم، وحتى إعدامهم أحيانا في (الهزيع الأخير) من ظلام الزنزانات المعتمة..!!

أما عزيز فهو رجل عسكري (ربما بالقوة وحدها) فنياشينه تشبه كثيرا وضعية حزب "الاتحاد من اجل الجمهورية"، فلدى هذا الحزب أغلبية في البرلمان، مع أنه لم يخض أية انتخابات منذ نشأته..!! وإنما يعتمد على "فلول" ولد الطايع الذين أعمل فيهم الترغيب والترهيب، ليصبحوا هكذا أغلبية في البرلمان(سقطت ثلجا)، على حزب جلسوا تحت قبة البرلمان سنوات طويلة قبل ولادته(خارج رحم سياسي محلي مغلق العنق)..!!

عزيز أيضا ( وبنفس المنطق الاتحادي) يحمل رتبا عسكرية عديدة(رزق الظب)، مع أنه لم يطلق رصاصة واحدة دفاعا عن الوطن الموريتاني، اللهم إلا رصاصة "مائية هوائية" أطلقها إيذانا بانطلاق سباق رياضي عابر منذ عدة أشهر،أو رصاصات (شارة) قد لا تكفى أحيانا حتى لقتل فأر كسيح وجريح..!!

ثم إن "القائدين" أعلى وعزيز كانا من أبرز رجال ولد الطايع ودعائم حكمه(مع فارق في التوقيت بين مكانتهما وولائهما ووزنهما وتأثيرهما آنذاك)، فقد خدماه - وبنفس الحماس- عندما كان قويا، وكان بمقدورهما التكسب حد الثراء الفاحش في زمنه، وهو الذي لا يسأل عادة رجاله (ولا نساءه) من أين لهم بالمال حراما كان أم حلالا، وامتلكا نفس الشجاعة والاندفاع للتخلص منه، عندما أحسا بضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس..!!

وبهذا التاريخ المشترك من التعايش الأسري والأمني و"الطائعي"، يمكن القول - دون سفسطة- إن للرجلين علاقة قوية ومتجذرة وإن علتها أحيانا سحب غبار ملون كتلك التي تظلل أبطال الأفلام الهندية، لحظة أدائهم لأغنية عاطفية رومانسية، يلتقون تحتها مع "البطلات الحسناوات" قبل أن يتدخل "زعيم العصابة" إيذانا بمعركة النهاية الفاصلة..!!

وما الزوبعة المثارة حاليا حول العلاقة بين الرجلين، إلا سحابة ألوان عابرة ستنقشع حتما -إن عاجلا أو آجلا- عن أحد "البطلين" راقصا في أحضان "الآخر"، على أنغام أغنية تمجد الحياة والحب، والخضرة والإله، و"البقرة" والنهر المقدس..!!

لقد اكتشف ولد عبد العزيز أن عليه تضييق "الحلبة" المخصصة للصراع المحلي على السلطة، فوضعيتها الحالية غير طبيعية،فمقاساتها فضفاضة وفسيحة، وتستوعب من اللاعبين أكثر مما تستوعب من الجمهور والمدربين، والصحفيين ورجال الأمن، ولذلك فمن اللازم تضييقها(يمكن تضييقها بمناقصة غير معلنة الشروط أو بصفقة تراض يقال لاحقا إنها ليست كذلك)، لتتسع فقط له ولابن عمه، فصراعهما هو تماما مثل "خصومات العشاق" التي قال عنها الراحل "نزار قباني" إنها فلفل وبهار، وتراشق متبادل بالزهور، وكريات الندى، ومدورات الطفل والطل ومكورات الثلج..!!

وما أروع أن يخرج للأبطال "أندادهم" اجتماعيا وعسكريا واقتصاديا (وقديما طلب أبطال قريش وأشرافها وسادتها من المسلمين في الحروب التي جمعتهم أن يخرجوا إليهم أندادهم للمبارزة بدلا من العبيد والرعاع والعامة من ضعفاء الناس والطبقات الواطئة) ، فما أهمية أن يصرع عزيز أحمد ولد داداه(حتى ولو كانت صرعة "مفهومة" الأسباب)، وما الذي سيربحه إذا أثخن ولد بدر الدين (بالجراح الحمراء)، وأية قيمة لأن يحمل على جميل منصور ويقذفه خارج الحلبة (ولو على الطريقة الإسلامية ووفق الضوابط الشرعية)..؟!!

إنه من المهم لعزيز أن يدخل "الحلبة"- ولو مغلقة- مع أعلى ليتداورا تداور الأقران،ويتضاربا تضارب الفرسان أيام "حلق القرون" ويحمل كل منهما على الآخر- ولوعلي طريقة الخدع السينمائية- فترتفع الأصوات، و"أبيات الحرب"، و تهتز الأرض ضربا ب"المنجنيقات الورقية"، وتنتشر "الصواعق" في الأفق لتضيء "تهامة" وأبناءها الصبر عند "اللقاء"..!!

في ذروة المصارعة المهولة يجب أن ينسى الناس جيوش "ناصر الدين" الزاحفة (اعتصاما) نحو"دار الخلافة"، ونكبة الكتب التي ألقاها "المغول" في دجلة والفرات، وثورة "القرامطة" القادمين من وراء البحر،وخراب "مدن الملح" العطشى، واتساع خرائط "دويلات الطوائف"..!!

وحدها "سلمى" سيكون بمقدورها استراق النظر- باستحياء- إلى "الحلبة" - من خدرها القصي المنعم بالطيب- ضاحكة بغنج ودلال مستبشرة بأن أحد"الفرسان" يوشك أن "يهزم" الآخر، مؤمنة بأن "القاتل والمقتول" منهما في جنة "القبيلة"، وأن المهم أولا وأخيرا هو أن تتسربل "المضارب" بنقع "المعارك" وصيحات "الرجال" حتى لا تكون خيمة "العرش"، و"الطبل"، و"التاج"، و"البردة"، و"الصولجان"، محطا لأنظار المتربصين بها، من "الصعاليك"، و"الدراويش"، و"قطاع الطرق"..!!

إن استبعاد منسقية المعارضة من واجهة الصراع، واستبدالها برجل واحد ليكون طرفا وحيدا في الصراع على السلطة مع عزيز، نقطة مهمة ليست بحاجة لذكاء خارق لاكتشاف أهميتها والعمل على كسبها، خاصة إذا كان الطرف الآخر هو قريب لعزيز، لن يسمح لنفسه بإيذاء قريبه، أو الخروج في الصراع معه على نواميس القبيلة الجامعة..!!فبين أبناء العم لا غالب ولا مغلوب، فالنصر- كما الهزيمة- في صراعهما هو للقبيلة أوعليها، أولا وأخيرا..!!

يجب أن تكتمل اللعبة فعلا ،فيصور ولد محمد فال على أنه شخصية سياسية مؤثرة محليا وخارجيا(فعلا تمكن هنا الاستعانة بعلاقات الرجل الواسعة بالدوائر العالمية سياسيا واقتصاديا وعضويته في نادي البكاء الصهيوني على "الهولوكوست" مثلا وتأثيره على الساحة المحلية عبر تضخيم حديثه عن عدم قناعته بقطع العلاقات مع إسرائيل وعجزه عن الاعتراف بوجود مواطنين موريتانيين زنوج أبعدوا ظلما إلى السنغال في ذروة الأحداث الأليمة عام 1989) وأنه بدأ يضايق الرئيس عزيز، لدرجة أصبحت معها تصرفات منسقية المعارضة أشبه بتحركات لدعم الرئيس عزيز وليس لإسقاطه، وعلى وسائل إعلام عزيز الرسمية و"المستقلة" أن تحيط "قريبه" بهالة من الزخم الإعلامي، فتقابله وتستفزه، وتبحث في عجزه عن إيصال الأفكار بغير اللغة الفرنسية (القحة) عن شراك تنصبه له، فيكثر الجدل بشأنه فيخطف بريق المعارضة، ويصبح على كل لسان، باعتباره الغريم الأبرز والأقوى والأوحد لعزيز، ويعضد كل ذلك ببيانات، وتصريحات متضاربة، وتأليب جماعات عزيز على غريمه اعل، وتأليب أعلى لجماعاته على غريمه عزيز وهكذا(من المهم أيضا في هذه اللعبة "النارية" أن تزدهر حفلات العشاء تارة على شرف شباب القبيلة ووجهائها وتارة على شرف بعض من المؤلفة قلوبهم ودعوكم من التساؤل عن السر وراء كل ذلك البذخ بل حتى عن التساؤل عن المال الذي تقام به تلك الحفلات الماجنة على هامش كل هذا البؤس والمحاق الذي يطوق البلاد والعباد)..!!

إن من شأن هذه اللعبة أن تسحب البساط من تحت المعارضة، أو على الأقل حسب فهمنا نحن الذين يتلبسنا شيطان "نظرية المؤامرة"، وتضيق "الحلبة"  وتستدير (حصريا) على الرجلين(عزيز وابن عمه)  ليبقى اللاعبون الآخرون(المنسقية وإيرا ولا تلمس جنسيتي والنقابات والروابط والاتحادات) خارجها فتخف حدة الأصوات، وينتبه المشجعون(هم أساسا أنصار المعارضة المحاورة) لبطلين فقط على طريقة مصارعة "اكواتش"...ولا يستبعد في ذروة الصراع (الوهمي) بين (البطلين) أن يعلن احدهما انسحابه أو هزيمته أمام الآخر(يملك الرجلان تجارب "متباعدة" في الانسحاب مرات من المواجهات المسلحة، ومرة من الصراع على الرئاسة) احتراما لقواعد اللعبة، أو انكشافا لها، أو على الأقل وفاء للقرابة ورفقة السلاح، وحتى يبقى لمجد القبيلة ذكره السائر، و الذي لا يغتفر لأي من أبنائها المساس به، تحت أي ظرف من الظروف، فمن مسؤولياتهما(المشتركة) إبقاء درع "الخلافة" الحالية وبردتها وسيفها و"طبلها" وتاجها في "المضارب" بأية طريقة متاحة..!!

 

 لكي تضيق

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox