طقس مضطرب |
الثلاثاء, 24 يوليو 2012 00:16 |
فجر الأحد 15- 7-2012 في أكجوجت سقط الشهيد محمد ولد المشظوفي على إثر قمع وتنكيل أفراد من الحرس ، والذى أستحى أن أصف فرقته في أكجوجت بالوطنية .ولقد نجحت الشرطة في الآونة الأخيرة في تجنب القتل المباشر ، رغم وقوعها المتكرر المشين في مسرح العنف والقمع،مثل ما حصل من شبهة التورط في حادثة اكلينك .والجيش مازال خارج اللعبة ،يأمر قواده بالقمع ولا يباشرونه !.إن هذا التصرف قذر ووحشي ويؤكد أن السلطة القائمة لاضير عندها في مواجهة شعبها ، لأنها تعتبره – حسب سياق الحدث الراهن – عدو يستحق الاستهداف الصريح العلني والمباشر .إن مناقشة الفاجعة في إطارها العمالي النقابي يثير الشفقة من تصرف السلطة .عمال مسالمون يتواجدون صباح يوم عند مقر شركة (م س م ) للمطالبة ببعض حقوقهم ، فتحصل المداهمة المفجعة ، ليسقط الضحية وعدد من الجرحى ، فمن المستفيد ؟.إن وجود هذه الشركة المثيرة لا فائدة ترجى منها إلا بعد التأميم الحتمي بإذن الله ، فما تحصل عليه الدولة الموريتانية لا يتجاوز من النحاس 3 في المائة إلا لماما ، ولا يصل إلى هذا الحد المئوي في حالة الذهب ، والبيئة والسكان والعمال تضرروا كثيرا ، نتيجة للسموم المستخدمة في فصل المعادن عن غيرها من المكونات والشوائب غير المرغوبة !.والعمال بشكل خاص ، هاهم يدفعون الثمن بصورة مؤلمة إلى حد سفك الدم ، بعد الموت سما أو تأثرا صحيا ومعنويا ، جراء هذه السموم ،وحالات الحرمان والظلم المتنوعة.إن الدفاع عن هذه الشركة الأجنبية المؤذية ، التي قتلت العباد ولوثت البيئة وخربت الطرق قد لايخدم إلا النظام الذي يتلقى الرشاوى عبر إدارته المتمالئة مع هذه الشركة ، أو مقاوليه الذين ينتسب جلهم إلى المحيط الضيق لرأس النظام المستبد الفاشل العاجز.وفي المقابل يهون الهجوم المسلح على البرءاء الغافلين في صبيحة ذلك اليوم التاريخي المفعم بالآيات والعبر الموحية بقرب توديع نفوذ هؤلاء القساة الأنانيين .إن التحقيق في شأن هذا القتل المجاني المتعمد – حسب المؤشرات – ملح واستعجالي ، عسى أن نقف على الحقيقة كاملة .ما عدد الفرقة المهاجمة ؟ .ما مستوى تسليحهم ، ما هي الوسائل التي تم استخدامها عمليا في ميدان الفضيحة والجريمة ؟ .هل كان هناك استهداف لأشخاص بأعينهم ؟ .ولماذا قرر الحرس في اكجوجت الإقدام على هذا الإجراء شبه العسكري ضد العزل المحتجين المعتصمين ؟.وهل الحادثة معزولة ، أم هي بداية مشوار طالما نصح عنه وحذر منه بعض الرشداء . وإذا كان الأمر كذلك -على سبيل الخوف من توسع الاعتصام العمالي وتواصله - فماذا الذي دفع بعزيز التعجل في الدخول في المواجهة ، وما هي حدود وأفاق مستوياتها المحتملة ؟؟؟!!!.عدة أسئلة تثيرها هذه الحادثة ، التي ربما شجع عليها الجو الذي مازالت تعيشه بعض دول الوطن العربي ، مثل سوريا على سبيل المثال لا لحصر ، حيث القتل السياسي الواسع والمجاني، ولا رادع على المستوى الإقليمي ولا الدولي حتى الآن قادر على منع الطاغية بشار من الاستمرار في المجازر والتمثيل بإخواننا السوريين الشرفاء الشجعان .إن رسالة أكجوجت في المقابل غير بريئة ، فهي قبل تحرك المعارضة مجددا في تظاهرات جديدة في أنواكشوط وهي مفعمة بالعنف والدم والقسوة ، في وقت يتواصل فيه الحكم الأحادي والتسيير الفاسد ، ونسى النظام القائم أو تناسى أن كيانه الهش ومجتمعنا المسالم لا يقارن بكيانات سياسية أخرى – محل مراهنات وتجاذبات دولية قوية – ومجتمعات أخرى مختلفة ، فقتل شخص واحد ، كما حدث إبان ثورة الجياع في وقت سابق ، قد يكفى لهز نظام كامل عندنا !.والآن في جو الاحتجاجات السياسية المتفاقمة ، قد يستدعي هذا الحدث وغيره – مما هو متوقع – أوضاعا أمنية وتوترات قد تقضي إلى سقوط وشيك لهذه التجربة السياسية الفوضوية، و السيئة إلى أقصى الحدود .ألم يكن من رد على المطالبة ببعض حقوق العمال إلا الموت فحسب ؟!.وفي الوقت الذى يعقد فيه البرلمان جلساته من حين لآخر رغم انتهاء الصلاحية، في ظل تشريع مشبوه من قبل الجهاز التنفيذي و القضائي ، إلى جانب ديمومة عسكرية في الحكم ، بعد انقلابين وانتخابات رئاسية مزورة بامتياز ، أشفعت باستقالة رئيس لجنة الانتخابات وقتها ، مع تدهور شديد في المعطى الاقتصادي عموما والمعيشي خصوصا ، ووسط توتر علاقتنا مع أغلب الجيران ، كل هذا ينضاف إليه أسلوب قمع الاحتجاجات السلمية المسالمة ، فأين المفر من هذا الانحدار المسارع إلى الهاوية .في مثل هذه الظروف ينبغي أن تعي نخبنا مسؤوليتها عن البلد ، لأن الحكومة وأنصارها لا يهمهم نفي الاستبداد أو تغييب الأحادية أو تحقيق العدل المفقود المنشود ، وإنما المبتغي المصالح الما فوية الضيقة سعيا للهيمنة المستمرة على حساب دعاة الإصلاح .إن منسقية المعارضة مدعوة إلى محاولة تكريس جبهة نضال سلمي وطني واسع ، متنوع الانتماءات والمشارب . فالمقصد الأولى في المرحلة الراهنة هو هزيمة الصيغة الانقلابية العسكرية المستندة للاستبداد وسوء التسيير، وتقريب الهوة بين مختلف التيارات الوطنية ، المكونة لهذا المشروع السياسي الواعد ،رغم تناقضاتها الداخلية ، التي لن تعدم ما يلائمها، إن توفرت الإرادة القوية للتحالف والتعايش المستمر.
عسى أن تكون هذه المنسقية وسواها من المجموعات الوطنية الإصلاحية البناءة، قاعدة و أساسا في المستقبل المنظور، لعمل حزبي سياسي وطني، يقرب من الشورى أو الديمقراطية ويعزز قيم الحق والإنصاف على حساب مسلكيات المحسوبية والإقصاء والأنانية .إن تعجل البعض رحيل النظام الحالي قصد الظفر بالقيادة بصورة سهلة ، قد تكون – على الأرجح - بعيدة المنال أو بالغة الصعوبة على الأقل، فإن الهدف الأسمى ينبغي أن يظل الإصلاح ، قبل أي طموح حزبي ، محدود الأفق.إننا جميعا مسلمون ، ومن أراد منا أن يكون إسلاميا بحكم الخلفية الفكرية، فخير له العمل على التحالف السياسي والانتخابي مع غيره ، من القوى الوطنية المناضلة في نفس المنحى التغييري، طلبا للوصول إلى جبهة واسعة ذات مشروع وطني واقعي مرن، يجسد إجماعا أوسع و يعصم البلد من الفتن وسهولة الانزلاق والاختلاف العقيم المفرق ، المذهب لقوة النضال وتماسكه وريحه المباركة، القادرة على رد العوادى وتأمين المكاسب الوطنية وتعميقها ، خصوصا بعد سقوط نظام العسكر بإذن الله ، مهما تطلب من وقت أو مراحل ، قد لا يكون رحيل ولد عبد العزبز إلا أولاها .فقطع الشجرة لايعني قطع الأغصان الظاهرة فحسب ، وإنما عودتهم إلى الثكنات والدور الطبيعي ، لابد له من تفاهم كبير وتعاون جاد ، وعن وعي ، ولابد من طول النفس المسؤول الحذر المتوازن .ولا ضير أن نرى مستقبلا أحمد ولد داداه أو ولد مولود أو بامادوألسان أوجميل أو غيرهم رئيسا لهذا الوطن، ولا مانع من أغلبية برلمانية بأي لون من الوان الطيف السياسي المتعددة، أومن تصدر أي فيلق لانتخابات ما ، وإنما بيت القصيد الاستقرار وبناء وطن جميل هادىء، أساسه الإسلام والتنمية الشاملة ، النافعة لكل أبنائه وسكانه وجيرانه والعالم أجمع .فالنجاح الانتخابي ليس هو الهدف الأسمى ، فعلينا أن نستحضر دائما أن تكريس استقرار الدولة في المرحلة القادمة ، وإعادة بنائها وتوطيد أسسها ومعالجة نواقصها البارزة في كل مجال ، خصوصا في الباب الاقتصادي والتعليمي ، وتدني مستوى الصحة وقطاعها الضعيف جدا ، كل هذا وغيره هو ما يستحق بذل الجهد من كل السياسيين وقادة الرأي التنوكراط ومن سواهم من المواطنين على اختلافهم ، الذين يجدر بهم الانشغال الإيجابي بتخلف وطنهم المسحوق المهمل .إنها أرض غنية تحتاج إلى سكان يدركون قيمة وطن وانتماء لهذا الوطن الغالي .وستظل حادثة الأحداث 15-7-2012 علامة فارقة في تاريخ الحرس "الوطني " وتاريخ جيشنا " الوطني " بصورة أشمل ، لأن هذه المؤسسة تتحول تدريجيا إلى مالك غير مفوض بصورة شعبية شفافة بحكم البلد ، تتوسع ثروات رموزها تدريجيا وتأتمر بأمر الحاكم المستبد ، قامعة باستمرار وباستعذاب وحامية لنظام مرفوض شعبيا وقانونيا وأخلاقيا ، وفي الأخير بدأ الدم الحرام يسفك دون مبرر مقنع ، فمجرد الاحتجاج والمطالبة بحق ليس مسوغا إطلاقا للقمع أحرى القتل المجاني الفج .أما تحرك حكوميين للتعزية فهو محض التجاهل والتناقض المروع .تصدر الأمر بمواجهة العزل بهذا المستوى من القمع ثم عندما تحصد هذه النتيجة المرة الزعاق ( قتيل وجرحى )تبعث بالمعزين ،ما هذا ؟!.نظام ولد عبد العزيز في ورطة وهزيمة نكراء ، إنه يعاقب أيضا التجار المحسوبين في كناشه على المعارضة ويصادر بصورة أو بأخرى رخصهم المعدنية ، ويضربهم بمئات الملايين من الضرائب ، مثل ما حصل مع شركة اترانزيت عادية ، مثل سوجكو في الحساب الضريبي لسنة 2011، قرابة مليار أوقية ، ومن قبل ذلك التلاعب بتعاقد هم مع شركة " بومي " الأندنوسية ، الذى أدى إلى تعطل تقريبا مشروع كبير لاستخراج الحديد من ضواحى أكجوجت ، ومنع الآلاف من الشباب العاطلين من العمل في هذا المشروع المتعثر ،و الذى تدل قصته هذه ، على عدم قابلية الاستثمار المحلي والأجنبي المأمون في هذا البلد المختطف من قبل مافيا عزيزية ، مدنية بالدرجة الأولى ، عسكرية في المقام الثاني.إن هذا الطقس السياسي المفعم بالاستبداد والمجاعة والجفاف والفقر المتوسع نحو المجهول وأجواء الحرب بالوكالة ، رغم أنه كان أجدر بنا نصح الأطراف وعدم تعدى حدودنا والاكتفاء بالبناء العسكري الذاتي ، من باب الوقاية والعمل على عدم تجاوز وضعية الدفاع عن النفس في حالة الحاجة لذلك ، ثم تصاعد مستوى القمع والتوتر ضمن هذا الطقس السياسي المضطرب ، كل هذا يؤشر لتحولات سياسية جذرية ، لن يستطيع النظام المهزوز مهما صنع من حيل وإجراءات تنويمية ردها والخلاص منها .إن ما يصنعه ولد عبد العزيز بمقدرات الوطن ، هو والمقربين منه ، من المدنيين والعسكريين ، لا يجوز أن يفلت من النظر القضائي العادل ، بعد استقرار الأوضاع ،أي بعد رحيله المأمول ، وتجاوز المرحلة الانتقالية المرتقبة .لا حقاق الحق وإزهاق الباطل ، وإرضاء النفوس المظلومة ، من طرف بعض القضاة بتوجيه من السلطة التنفيذية القاهرة المهيمنة، أومن طرف بعض الشرطة أو الحرس أو غيرهم من الإداريين. على أن تظل كل المظالم القديمة والقريبة معرضة للنظر والفحص والتمحيص من قبل قضاء نزيه ، سيظهر تدريجيا مع تصاعد روح الرفض وتعزز حالة الوعي المسؤول المتوازن .الذي يأبى الضيم ولا يسعى للإقصاء أو الغلو في العقاب والقصاص .وفي انتظار انقشاع الظلة عن طقسنا ، من حقنا أن نتذكر قصة طفل مع أمه، تمنعه من كثرة الأكل. فعندما قال لها أمي أشم رائحة اللحم ، قالت له عزيزي اقترب .وعند اقترابه ، أخذت بأنفه وضغطت على فتحتي الأنف ، وسألته هل تشم رائحة اللحم ، قال الطفل البريئ،لا،فقالت له إذن لايوجد أي لحم هنا .وأقنعته بهذه الطريقة البسيطة ، أقول بسيطة فقط ، وممكنة في حق الأطفال والشعوب المغفلة .فهل يقبل الشعب الموريتاني ، منعه من شم عبق الحرية و الطموح نحو التغيير والاحتجاج السلمي ثم يقال له بعد ذلك انت شعب حر تتمتع بالديمقراطية وسائر الحقوق ؟؟؟!!!.إن دولتنا تنهار تدريجيا وحدودنا مهددة ، خصوصا من الجهة الشرقية والجنوبية ، وممتلكاتنا تم نهبها من قبل مافيا النظام وبعض المستثمرين الخارجيين ، ولم نجن إلا الفقر والظلم والحرمان وتسمم البيئة والمواطنين ، وموتهم سما وقمعا ، وتهالك الطرق ، رغم بساطتها في الأصل ، وهلم جرا من الفساد في الأرض والبحر والجو .ولن ينقذنا إلا الوعي وطلب تأميم السلطة والثروة ،أي ردها إلى الأمة، وكل رمضان وانتم بخير .بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير يومية الأقصى /سلا – الرباط |