إلى جنة الخلد... جدتاه!
الأحد, 23 سبتمبر 2012 11:03

بقلم: محفوظ ولد السالكبقلم: محفوظ ولد السالكنزل الخبر كالصاعقة!فبينما أنا في قاعة التحرير أحرر خبرا كنت لتوي أتيت من تغطية حدثه، إذا بصوت النعي يخترق الآذان "أحسن الله عزاءك في وفاة فلانة"، تلبستني الحيرة طويلا، فتعطلت عجلة التركيز، وتوقفت الأنامل عن الكتابة،

 حاولت التماسك وفرض السيطرة، لكن الحزن والأسى أبيا إلا أن يوشحانني وشاحهما الأسود، خرجت من القاعة، خلوت بنفسي قليلا محاولا إقناعها أن كأن لم يحدث أي شيء، وأنني مصر على إكمال ما تبقى من يوم العمل، وقد استطعت ذلك نسبيا ولبعض الوقت.

ما إن رجعت إلى المنزل، حتى تربع الأسى من جديد على قلبي، فبدأ شريط ذكريات السنين الخوالي يمر متوقفا عند كل محطة، وبدأت الدموع تنهمر مدرارا بلا استئذان، حسرة على عطف وحنو، ونصح وكرم... طالما تعودته، وأسفا على فراق وجه وضوء طالما سجد لله تعالى حين ينام الناس، وأيادي نظيفة ألفت تقديم الصدقات السرية، ومد العون لكل محتاج، أسفا أيضا على أقدام طالما حثت إلى المساجد وصلة الأرحام وعيادة المرضى، أسفا كذلك على توقف نبضات قلب لم يحمل الحقد لأي كان، حتى وإن بلغ الاختلاف معه أقصى الحدود...

حق للمآقي أن تجف، وهي تفقد صفحات ألفت أن تقرأ فيها وصية الخليفة الراشد "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وحق لإنسان العين أن يسكب عبراته، وهو لم يعد يرى ذلك الإنسان الذاكر الشاكر، حتى في أحلك الحالات.

ستنتحب تلك المسبحة التي طالما ألفت أناملك، ولسانك الرطب من الذكر، وسينتحب أديم ذلك التراب الذي ألف سجداتك في غسق الليل، وفي ضحى النهار حين ينشغل الناس، وستنوح الابتسامة ـ غير المفتعلة ـ التي كنت توزعين في وجوه الناس صدقة لله تعالى.

جدتاه!سيفتقدك معدمون هناك تعودوا عطاياك، فلا أحد اليوم يمد لهم يدا، وسيطول انتظار يتامى يتضورون جوعا، وقد ألفوا خطاك تدلف إليهم حاملة الطعام والشراب واللباس... وهم اليوم يدقون الأبواب استطعاما واستكساء... وما من مجيب، وحتى الصغار الذين ألفوا التحليق حولك كل ضحى لتقسمي عليهم الحلوى، أو تقدمي لهم بعض الهدايا البسيطة، فتدخلين بذلك البشارة إلى قلوبهم، لم يجدوا هذا الصباح من يمسح على رؤوسهم ويقدم لهم تلك العطايا، فهم اليوم كذلك ينتحبون.

 جدتاه!وحتى الطيور الصغيرة التي اعتادت أن تروي ظمأها من ماء زلال تضعينه لها في الركن القصي من العريش الذي توجد به القرب، وتشبع جوعها من الحبوب التي تقدمين لها مع الماء، أصابها الوجوم والاكفهرار... حين نزلت، لتجد الماء قد غيض والحبوب قد نفدت.

جدتاه!حقا ما للفجيعة في ربى تلك المقاطعة الوادعة حدود، فالأرض تكاد ترجف تحسرا وأسفا، والعيون لا زالت تجود حتى وإن غيض ماؤها، فيا ليت أن المنون يستثني أحدا، ويا ليته حتى يأتي غير بغتة، لكنه القضاء والقدر، فلا بد من الإيمان بهما والرضوخ لهما.

ونحن اليوم رغم حجم ما يلف أفئدتنا من حزن وأسى، لا نملك سوى الصبر وقول "إنا لله وإنا إليه راجعون"، والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أن يدخلك فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

المصاب جلل والخطب عظيم، ولكن أملنا في الله كبير أن يظلك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يبدلك دارا خيرا من دارك وأهلا خيرا من أهلك، وأن يلهمنا نحن الصبر والسلوان، وأن يعيننا على أن نكون أولادا صالحين ندعوا لك بالخير دائما وأبدا ما حيينا. فإلى جنة الخلد جدتاه!

 

   بقلم: محفوظ ولد السالك

Mahfoudh_saleck@yahoo.com

إلى جنة الخلد... جدتاه!

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox