الاثنين, 22 أكتوبر 2012 23:02 |
عبدالفتاح ولد اعبيدنا مساء السبت انطلقت تلك الرصاصات الغامضة -في نظر الكثيرين- لتخترق جسم الحاكم العسكري محمد ولد عبد العزيز، مما اضطره للهرولة إلى المستشفى العسكري. وقد أجريت عملية جراحية، لاستئصال الرصاصات، التي لا تقل عن اثنتين، ولا تتجاوز الثلاثة، حسب أغلب المصادر، ورغم توافق كثير من الموريتانيين على نبذ العنف، سواء كان عمدا أو خطا، إلا أن وضعية "الرئيس" الصحية يلفها الغموض والترقب.
ورغم تواتر قصة مركز التفتيش أو التدريب والطلق الخطأ، إلا أن الرأي العام الوطني لم يقتنع تماما، بصحة تلك الرواية الرسمية، أما التأكيد التلقائي المستمر على تحسن الوضعية الصحية لولد عبد العزيز، فلم تعززه مصادر طبية محايدة حتى الآن، مما يجعل التساؤل والاستفسار مستمرا عن حقيقة معاناة "رئيس الجمهورية".
وتبقى الأسئلة المشروعة معلقة "دون جواب شاف".
ما حقيقة ما حصل؟ ما مستوى الشغور الوظيفي بعد حادث ولد عبد العزيز؟ هل تبقى جميع الأطراف في حالة انتظار إلى حين إنجلاء الغموض، أم سيتم تصرف ما، لحسم هذا الوضع الإستثنائي؟.
وفي المقابل لا تكاد تكف الألسن عن السؤال عن الحال الصحي الغامض، الذي سيكون له تأثيره في مستقبل الأيام، إن لم يكن حاضرها المشهود المهزوز.
إن مطاردة رئيس من قبل نقاط التفتيش أمر يثير الشفقة، فلماذا لا يتقيد "الرئيس" بشروط الموكب الرئاسي، التي تمنحه التعريف والحماية والمهابة، بدل إطلاق الرصاص المباشر، بطريق العمد أو الخطأ.
ولماذا هذا الحرص الزائد على زيارة البوادي، وهو صاحب أمانة ومسؤولية، تتطلب التركيز عليها في مواقع الحسم والقرار، الشيء الذي قد يتناقض مع الغياب المكثف في أماكن بعيدة عن ساحة المتابعة والمعاينة.
وقد سجل الموريتانيون بأسف لأول مرة، بغض النظر عن مستوى مشروعية الهيمنة على هذا المنصب في الوقت الحالي من قبل ولد عبد العزيز، حادث إطلاق نار مباشر على من يحكمهم.
الشيء الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل، هل هو شؤم طارئ جديد، يلاحق الوطن بسبب بعض المظالم المتفشية، وخصوصا استغلال النفوذ، ومضايقة الفقراء والمناوئين للحكم القائم.
وتبقى كثير من شرائح هذا المجتمع لا ترجو لولد عبد العزيز ولا لغيره أي سوء -ولكنها تتمنى بشغف- التغيير الجذري العاجل.
فهل يكون هذا الحادث دون خطر على حياة "الرئيس"، لكنه فتح الباب للتناوب السلمي على السلطة، لسبب ما، قد يكون استقالة "الرئيس" وتفضيله للراحة والهدوء، قصد العلاج والنقاهة، وليترك الأمر والشأن العام، لأصحابه من الناخبين لحسمه، عبر انتخابات رئاسية مبكرة، تفتح الأفق لأشخاص جدد، وبرامج إصلاحية جديدة واعدة جادة.
ولقد سئمنا من حكم لم يجر لنا إلا الفقر والحرب بالوكالة وتصفية الحسابات داخليا، بدوافع سياسية مكشوفة.
ولا نبغي شرا لبعضنا، ولا نرضي هذا الظلم لأنفسنا، ولا لغيرنا، ولا لوطننا برمته، والخير في التغيير السلمي، قبل فوات الأوان.
ومما يثير الاشتباه حول حقيقة الحادثة المثيرة، كون المسؤول عن إطلاق النار، أحد ضباط الصف في القوات الجوية، وقد تحدثت المصادر الصحفية العليمة المتواترة، عن تمرد داخل هذه الأخيرة قبل أيام من الحادثة، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك والريبة على خلفيات الواقعة الغامضة المربكة.
وفي انتظار إنجلاء نسبة من هذه الحيرة المتراكمة، منذ مساء السبت 13 اكتوبر2012، تظل الأسئلة والاستفسارات من كل لون، تترى من طرف الجميع.
إنهم يشككون على نطاق واسع في الرواية الرسمية، وإن ثبتت، فليس من المعتاد من طرف عسكرنا سهولة إطلاق الرصاص الحي، خصوصا على مشارف المدن، ومن المعلوم أن ولد عبد العزيز كثيرا ما يتنقل إلى حديقته في إنشيري في عطلة الأسبوع.
وهو خبر معروف عند الجميع تقريبا، حتى المدنيين، فمن باب أولى الفرق الأمنية المرابطة، على طريق أكجوجت.
وتتكرر الأسئلة الحائرة على نوعية إصابته، وما مدى قدرته على العمل بعد شفائه -إن شاء الله- من آثار الرصاص.
وإذا كان فراغ السلطة قد أثار كل هذا اللغط في فترة قياسية، فكيف بتأثير المزيد من الوقت؟!.
وكيف تستمر أجهزة الدولة في العمل الطبيعي، في غياب برلمان منتخب، في ظل الحديث عن عدم شرعيته، بعد انتهاء مدته القانونية؟.
إلى جانب تعطل رأس السلطة التنفيذية بعد ما حدث مع "الرئيس".
إن كل هذا العجز في هيكل الدولة عن الحركة الانسيابية الطبيعية، يدفع إلى أكثر من سؤال واستفسار وجيه مشروع، إلى أين نسير؟.
لقد أجمع الكل -ولو ظاهريا- على الدعاء له بالشفاء والرجوع إلى أهله معافى، غير أن الداعين إلى رحيله، لا يرون -إلا أن- الوقت والظرف الحالي، بات أكثر ملاءمة للخوض في الطرق القانونية والدستورية المتاحة، لتجاوز مرحلة "عزيز" الرئيس.
لقد انتشرت في عهده المحسوبية والزبونية، وهو متهم –من قبل معاونيه- بحيازة أموال طائلة بطرق غير شفافة طبعا، كما إزدادت معاناة الفقراء، رغم شعار "رئيس الفقراء"، فهل تكفي حادثة 13 اكتوبر بأبعادها الإنسانية المؤلمة، لمحو كل هذه الدعاوى والأطروحات المعارضة لحكم ولد عبد العزيز؟.
كما أن الرواية الرسمية، ودعاء الأنصار الخلص، لم يمكن من وضع حد لحالة الغموض والارتباك، بسبب ما حصل، فأغلب المواطنين لا يصدقون تماما، ما تقوله الحكومة، ولا يعرفون إلى ما سيفضي هذا الواقع الحالي الحائر.
ومن المؤسف أن مؤشرات عدة، تؤكد نفوذ العسكر، بعد الحادثة، على حساب القانون، فلقاء غزواني، مع السفير القطري، وإمكانية صدق خبر تحويل البريد الرئاسي إليه، إن لم يكن إنقلابا غير معلن على سيادة الرئيس المريض، فهو إنقلاب صريح على القانون النظري، الذي يحكمنا افتراضا!!!.
لقد أكدت الأيام أن ما تردد من قوانين ودعاوى بالديمقراطية، مجرد غطاء رقيق شفاف على حكم العسكر، وأن الحكومة مجرد ديكور لتولي المتاعب الإدارية، فأين صلاحيات الوزير الأول -دستوريا- المنصوصة في حالة غياب الرئيس، إذا قبلنا أن الأمر مجرد غياب وليس شغورا أو مانعا نهائيا.
أما إن كان ولد عبد العزيز، قد أوصى محمد ولد غزواني بصلاحياته، إلى حين عودته، ولو بأسلوب ضمني، فهذا يدل على التلاعب بالقانون، في جميع الحالات، ولم يمنعه المرض بهذه المناسبة، من توجيه رسالة استخفاف صريح إلى شعب بأكمله.
وما بين قصة الراحة في عطلة الأسبوع خارج العاصمة، وقصة عدم التوقف للدورية، التي وصفها "الرئيس" بمجموعة من الجيش، وهي صفة لا تتناسب مع ما أشيع من ارتداء الزي المدني، وغير بعيد عن قصص وروايات أخرى داخل العاصمة، تبقى حقيقة ما وقع ملبدة بغيوم الشائعات والروايات المتنوعة المتباعدة.
وفي المقابل تبقى حقيقة المعطيات السياسية والقانونية على الأرض، غير جلية، وبعيدة من الوضوح المنشود.
إنها مواصفات الحكم العسكري الاستثنائي بامتياز، ولا وجه بإقناعنا بديمقراطية العسكر، فهي مجرد فقرة من "قصص جدتي" لتنويم حفيدها أو إلهائه على الأقل.
لقد انشغل الشعب عن مأساة معاشه ومصيره، والحرب المحدقة بشرقه، كل هذا بسبب رصاصات -إن خلت من القصد والعمد- فقد لا تخلو من القبول والاستحسان عند البعض، من أصحاب النفوذ العسكري والسياسي، مما قد يترتب عليه تغيير مرتقب غير بعيد، لا يستبعده كثير المحللين والمتابعين للشأن الموريتاني.
ومهما تحدثنا عن غموض الرواية الرسمية أو عدم قدرتها على الإقناع الكامل، فإنها قد نجحت في التغطية على الحدث من ناحية الوقائع عند الكثيرين، وقد يكون هذا هو المطلوب، من وراء الإخراج العفوي أو المتعمد.
ويبقى السؤال البارز المحرج، ألم يكن الضابط الحاج يتوقع –من مستوى ما- أن تلك السيارة المستهدفة، هي سيارة "الرئيس"، خصوصا في عطلة الأسبوع، التي غالبا ما يسافر فيها المعني إلى ولاية إنشيري.
وأما الترقب، فهو عند الأنصار والأقارب لبقاء الزعيم الذي يرونه مناسبا، وهو عند بعضهم المصدر المباشر للمنافع الذاتية الضيقة، بغيابه تضعف السطوة على المال العمومي المنهك المنهوب، وتنتظر منسقية المعارضة وغيرها من شرائح الوطن والمجتمع المغلوب على أمره، شفاء محمد ولد عبد العزيز، عسى أن يقبل الرحيل عن منصب حكم وأمانة شاقة، لم يستطع الوفاء لمتطلباتها، حسب رؤية هؤلاء الرافضين لبقائه في السلطة.
|