دولة مع وقف التنفيذ
الاثنين, 12 نوفمبر 2012 10:30

 

altأحمد ولد الوديعة

شهر بأيامه ولياليه  وساعاته مر على إصابة الرئيس الطفيفة في اليد عن طريق النيران الصديقة، وما زال الرئيس في مكان مجهول في وضع مجهول بفرنسا، ومازال البلد يحكمه  معلومون ولكن  خارج أي إطار من شرع أو دستور، وما يزال مكان الإصابة وسياقها مجهولا رغم وفرة الروايات ووجود قرائن تعضد بعضها وتفند البعض.

 خلال هذا الشهر الطويل ظهرت موريتانيا أمام العالم وأمام شعبها بلدا تائها ودولة فاشلة وتأكدت  للمرة الألف الطبيعة الأحادية والاستخفافية والاحتقارية للمجموعة العسكرية المنقلبة  ضحوة على إرادة الموريتانيين في أن يكونوا كما العالم من حولهم جنوبا وشمالا شعبا يحكم بصناديق الاقتراع وليس قطيعا يساق  بالعصي، وتشهر في وجهه صناديق الذخيرة والبيانات الأول كلما توقع أن من حقه أن ينتقل إلى النادي الديمقراطي.

 كانت بداية الشهر كذبا حكوميا  مستهترا بوعي الموريتانيين وذكائهم الفطري وقدرتهم الفائقة على الوصول إلى الحقيقة فظهر لنا وزير محترم ليعلن على شاشة التلفزيون وتتناقل تصريحاته وسائل إعلام الدنيا كلها  أن الرئيس مصاب إصابة خفيفة في اليد عن طريق نيران صديقة.. نعم نيران صديقة لقد كان الرئيس في معركة عسكرية كان جنودنا البواسل يطلقون فيها النيران لتدمير العدو، وكان الرئيس يتفقد الجنود لرفع معنوياتهم فسقطت عليه رصاصة صديقة جرحته جرحا خفيفا وحالته عادية ومستقرة!!

 وفي النصف الثاني من الشهر تدخلت قواتنا المسلحة لوضع حد لتطاول الرأي العام على الرواية الرسمية فظهر الملازم والعقيد برواية قال التلفزيون إنها  لتأكيد  رواية الوزير والرئيس لكن النتيجة أنها كانت للقضاء عليها، ولايعرف أحد حتى الآن هل كانت تلك الإصابة التي تعرضت لها رواية الوزير والرئيس  على يد الملازم والعقيد والجنرال  عن طريق الخطأ، أم انها على طريقة المثل الشعبي " جاء ليعالج عينه ففقأها" !!

 وعندما لم يجد  " التدخل العسكري  " في إقناع الرأي العام  المشاغب استلمت العائلة المهمة وكان ذلك أمرا طبيعيا على ما يبدو فقد خذلت الحكومة رئيسها الملهم وأصاب الجيش برصاصات عدة قائده الأعلى فلم يبق إلا أن تعود الأمور إلى نصابها العائلي.. 

تلاشت الدولة بكل مظاهرها وعناوينها من مشهد رئيس الجمهورية  عاد مدير الديوان ومدير التشريفات وأمسك نجل الرئيس الأمور على طريقة سيف القذافي متصلا برؤساء أحزاب عريقة ورؤساء مؤسسات دستورية وشخصيات اجتماعية وعلمية ودبلوماسية  ناقلا رسائل الرئيس وتحياته ومجيبا على هواتفه وموزعا صوره الحقيقية  أو المفبركة.. هكذا بسرعة انتقلنا من جمهورية إلى ملكية دون أي ضجيج، لقد كان انتقالا سلميا وسلسا للسلطة،اختفت الدولة بشكل كامل من مشهد الرئيس الذى لم يعد له من ذكر سوى ما يرد من شريط عابر على التلفزيون الرسمي والوكالة الرسمية عن اتصالات يجريها رؤساء دول وحكومات وهي الرسائل التي لم تعد لها أي مصداقية لدى الرأي العام بعد أن تأكد من مصادر عديدة أن وضع الرئيس لا يسمح له بالقيام بتلك الاتصالات فإما أنها كاذبة وأن من كان يقوم بها بها هو سيف عزيز أولي العهد في مملكتنا المحدثة.

 وإذا كان ولي العهد استلم مع العائلة أمور الرئيس في مقر إقامته المجهول  هناك بفرنسا فهنا في البلد تم استلام الأمر منذ اللحظة الأولى من شخصية غير ذات صفة بالتعبير القانوني لقد ظهر الجنرال غزواني الصديق الشخصي للرئيس المصاب رجل الاحتياط والضامن الأساسي لاستمرار الحكم في يد العسكر، ولم يجد الرجل ولا الشخصيات الدبلوماسية التي تقاطرت عليه في مكتبه تباعا أي حرج من ممارسة سلطة لاصلة له بها من الناحية الدستورية، ودون أي ضجيج أيضا يمارس الجنرال غزواني منذ الثالث عشر من شهر أكتوبر الصلاحيات الكاملة للرئيس في دوس فج على الدستور الذى لم يجد جنرالاتنا البواسل أي ضرورة هذه المرة لتعليق العمل به وإعلان حل المؤسسات المنبثقة عنه؛ فذلك جهد إضافي لاداعي له، السلطة بيدنا والرئيس بيد العائلة، والمشهد السياسي ما بين المنشغل بشحن بطارياته حتى لايفوته شرف الحديث الهاتفي، أو المنهمك في الترتيب لعودة الرئيس خلال أيام، أو غارق في الحديث السياسي والدستوري الذى لايسنده أي فعل على الأرض.

 لقد كان شهرا عصيبا بحق أظهر إلى أي حد نحن تائهون ومتخلفون فلاشيئ عندنا يشبه حقيقته  إننا دولة من المجاز

 أسماء مملكة في غير موضعها... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

 رئيس يصاب  على طريق غير معبد بعد أن لم يحترم أوامر وحدة عسكرية له بالتوقف وفق اعترافه ورواية حكومته وتأكيد جيشه، مؤسسات دستورية خارج التغطية، وحكومة ليست في العير ولافي النفير، وجنرالات يحكمون عنوة ، وحكم يتحول عمليا خلال أسابيع إلى حكم عائلي .. بصراحة لقد كان شهرا تأكدنا فيه من  الحقيقة المرة أننا بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال ما زلنا مشروع دولة أو لعلنا في أحسن الأحوال دولة مع وقف التنفيذ.

دولة مع وقف التنفيذ

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox