شخصيات العام 2012 : ولد الرباني ... يوميات الفقه والعمل النقابي |
السبت, 19 يناير 2013 13:06 |
يحمل الأستاذ محمدن ولد الرباني إجازة في صحيح البخاري، بسند متصل من أحد الشيوخ المحدثين إلى أبي عبد الله البخاري، فما فوق، ولذلك يجمع في صدره عددا كبيرا من " الأحاديث الصحيحة"وحديث النضال أحد هذه المتون العالية التي اقتطعت من عمر الأستاذ الشاعر محمدن ولد الرباني سنوات متعبة، فمنذ أكثر من 7 سنوات والرجل في صراع دائم مع وزارة الدولة للتهذيب في أسمائها المختلفة. ويقول رفاق الرجل والمتحمسون لبقائه نقيبا لأساتذة موريتانيا إنه يؤمن بتعريف لحديث النضال أساسه " الصحة من أية علة في المطالب " ولا شذوذ عن " خط التضحية وأن يكون الوصول للمنصب ديمقراطيا يقوم على سلسلة التناوب فيبقى المنصب والمطلب " يرويه عدل ضابط عن مثله". وجد الرجل نفسه، منذ سنوات في دائرة الضوء، رغما عنه، فلقد اتسع خرق التعليم على الراقع، وانتشرت منذ سنوات ثقافة اليأس والقنوط في صفوف أساتذة التعليم الثانوي بعد " المجزرة النقابية" في سنة 1997، عندما اتهم الأساتذة نقابييهم حينئذ بالتخلي عن المطالب والقضية مقابل فتات المناصب والتعيينات. ثم شاءت الأقدار من جديد أن يعيد الأساتذة من جديد جولة المطالب والنضال بعد أن اشتد عود جيل جديد، وكان إضراب 2008 القوي المؤثر. وقف ولد الرباني ورفاقه حينها في مواجهة المرأة الحديدية السمراء نبغوه بنت حابة، وامتد شد الحبل بين الطرفين، لم تكن بنت حابة "رابعة" لينشد الشاعر الرباني بسطت رابعة الحبل لنا فوصلنا الحبل منها ما اتسع. وانتهى الإضراب بعد 45 يوما، دون أن تتحقق مطالب الأساتذة، بل اقتطعت بنت حابة من رواتبهم، وانتهى الإضراب دون نتيجة. ثم جاء بعد ذلك نظام ابن عبد العزيز عزيز، ليستقبل الأساتذة، ويسمع منهم،دون أن يأمر لهم بأي شيئ، فقد كان الرجل حينها يعطي الأفراد ولا يعطي المؤسسات، يقضي بالمبرم الناجز ويكره العطاء المستمر. وبدأت الأزمة التعليمية في التصعيد، وتواصلت مع وصول وزير الدولة للتهذيب أحمد ولد باهية، كان الرجل القادم من جامعة نواكشوط، مولعا بتحطيم خصومه، مولعا بالانتقام والتشفي بشكل دائم، ولذلك كبرت عليه " حقيبة المطالب " التي يحملها ولد الرباني. ولأن ولد باهية رجل طرافة يدمن إرسال النكتة ولو كانت جارحة، وصف غريمه ولد الرباني بأنه ": يشبه من يجمع النذر ليعقوب"، وبهدوء أعصاب رد ولد الرباني " لأن كل أستاذ عندي يعقوب".
حاجة في نفس يعقوب
في نفس ولد باهية حاجات من مؤسسة التعليم الثانوي، وفي نفسه من نقيب الأساتذة شيء أكبر، ولكي يصل ولد باهية إلى مبتغاه اختار 108 من خيرة أساتذة موريتانيا كما يصفهم للعقاب، وأصدر لذلك ما عرف " بالمذكرة التسعفية": وتجمع الأساتذة تحت شجرات الوزارة، قبل أن يجتمعوا لمدة شهرين أو تزيد قبل أن تتدخل الشرطة لحسم الأمر لصالح القمع، وقبل أن ينفرج الأمر عن حل بين الطرفين. كان ولد باهية قد راهن على عامل الوقت وعلى مساندة السلطة، قبل أن يفقد أحد أهم عناصر المساندة، ويتعلق الأمر بوزارة الداخلية التي رفعت تقريرا غير " سيئ " عن الأساتذة وفق مصادرهم. واليوم بعد الحل يمكن للنقيب محمدن ولد الرباني أن يعود ككل العمال عند الزوال إلى منزله، أو يحتضنه الليل في بيته، بعد أن ظل محروما من ذلك لعدة أشهر تحت خيمة الاعتصام. يشهد الأساتذة للرجل بالتميز العلمي والاحترام، وبالصرامة وحسن التفاوض، ويتهمه آخرون ومنهم الوزارة، بتسييس القضية، لكن الرجل ورفاقه يجيبون بأن للأساتذة تاريخا طويلا من التسييس وأن الذين باعوا قضية الأساتذة لا يزال أغلبهم أحياء يذكرون وبعضهم في مكاتب القرار الأولى في وزارة الدولة للتهذيب وبعضهم في مواضع أخرى. ويرد هؤلاء بأن لا معنى "للتسييس" إذا كان وزير الدولة عضوا قياديا في حزب، ووزير التعليم الثانوي أمينا عاما لحزب، ومدير التعليم العالي أمينا عاما لحزب آخر، وأن تكون التعيينات كلها في " الحقبة الباهية" لمن قدمه حزبه أو باع موقفا سياسيا. لحد الآن لا يتهم الأساتذة ولد الرباني بأية متاجرة بقضيتهم، فالرجل لا يزال " مجرد أستاذ" يتوكأ على " دبوس الخلاص"، لا يملك سيارة ولا منزلا، ولا يظهر عليه أثر الغنى، كما لم يحظ بالتعيينات التي طالت بعض النقابيين، ومن تجب عليهم" نفقتهم".
شخصية علمية على الصعيد الشخصي، كان ولد الرباني قد التقط صور الحياة الأولى على " سهول علب آدرس" مجر عوالي الشعر والأدب ومجرى سوابقه، لأسرة علمية مرموقة، قبل أن يستقر به المقام في نواكشوط، ويشارك منتصف الثمانينات في مسابقة تكوين المعلمين. رمت الرجل يد التحويل إلى أقصى الشرق الموريتاني لسنوات طويلة قبل أن ينتمي في العام 2000 إلى سلك التعليم الثانوي، ومنه إلى سدة العمل النقابي من جديد، بعد سنوات طويلة في ازويرات. يجمع الأساتذة على أن الرجل الهادئ ذا الصوت الأبح، محمدن ولد الرباني شخصية علمية، مرموقة، فله في الفقه سبح طويل، وله في السيرة النبوية ومعارفها تعمق واسع، يستعرض خلاله الصحابة كما يستعرض أفراد أسرته، وهو فوق ذلك شاعر مجيد، وعضو في اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين. كما أنه باحث في الاقتصاد الإسلامي، قطعت عليه دراساته العليا في إحدى الجامعات الحرة في نواكشوط، أزمة الأساتذة. ويتقن الرجل فن الحوار والإجابات القارصة، فقبل أشهر دخل في نقاش مع فقيه وزير سابق، فجزم الفقيه بحرمة تراجع ولد باهية عن المذكرة التعسفية، وأحال نص الحرمة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رد عليه ولد الرباني بالقول" وأين ذلك من قول عمر بن الخطاب ولا يمنعنك قضاء كنت قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وظهر لك الحق أن تعود إلى الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق أولى من التمادي في الباطل" .. والتقم الفقيه حجر ثلج كبير... وأطرق. يستعيد ولد الرباني بعد الاتفاق الأخير بين الأساتذة المنتسبين إلى نقابته، ووزارة الدولة للتهذيب، ساعة من الراحة، ويضيف جانبا من المصداقية إلى خطه النضالي، قبل أن يستأنف العمل النضالي من جديد، فلم تكن المذكرة التسعفية أكثر من " حجر ضخم" وقف عثرة في طريق كثير العقبات. |