الشيخ ولد حرمه ...مشرط الطبيب في جسم السياسة |
الاثنين, 14 فبراير 2011 17:37 |
بقدراته المشهودة في الخطابة والكتابة دخل المشهد السياسي من بوابة النضال ضد الديكتاتورية ومصادرة حق الجماهير في اختيار حاكمها ومحاسبته على أخطائه،وبقدراته ومواهبه وتجربته العلمية دخل عالم الطب،الواسع يحمل إجازة عالية في الأشعة تلك الأشعة التي تضطرب في بعض الأحيان عندما تركز على الشأن السياسي فلا تدع للتشخيص السليم وقتا كافيا لدراسة الظاهرة،بقدر ما تركز على المزاج وتظهر من خلاله. وقبل هذا وذاك وفي سنة 1946 دخل عالم الحياة الفسيح من بوابة التاريخ ليكون فاتحة أنجال المناضل والسياسي الموريتاني الكبير أحمدو ولد حرمه ولد ببانه، وعلى أرض الركيز يوم كان يحمل اسم ’’ لخشيم ’’ ..وتدور بين وهاده قوافل العلماء والتجار والزراع ...ولد الفتى الذي اختار له أبواه اسم الشيخ المختار وليدرج في مرابع صبا ناضر ومغاني أسرة كريمة،ونسب شريف وبوابة علم ونضال. ولد الطفل ونار السياسة مشتعلة،حيث يستعد والده المناضل أحمدو ولد حرمه لخوض أول انتخابات نيابية في البلاد منافسا للمرشح الفرنسي إيفون رازاك،ربما لم يع الطفل يومها كثيرا من معاني تلك الحملة الشرسة،لكنها كانت من دون شك لبان ’’ الفعل السياسي الأول’’ للطبيب المتسيس والسياسي الطبيب’’..لكنه كما يصف نفسه ’’ كان رفيق و أمين سر و خليفة الزعيم السياسي أحمد ولد حرمة ولد بابانا’’ وسار الشيخ الدكتور – كما يرى أنصاره – على خطى أبيه، التي تركت آثارها بين السنغال والمغرب وفرنسا وموريتانيا التي عاد إليها ،بعد مسيرة نضال حافلة،أودعها تجربة طويلة من العمل الوطني الجاد والمغالبة السياسية التي لا تلين قبل أن يسلم الروح إلى باريها ويعود الجسد إلى الأرض التي ألفته هنالك في تمبيعلي دفن ..حيث كان الزوار والدراويش يرددون يالكوم ال ماكط كوم عادو كيفكتم من اسحوم لخلاكه ذان جيت يوم جمعة ولليل شاغل محد شاطن ما نكوم ملان عالم باطل ماعندي للدارين جلب فالظاهر والباطن كون الكوم ال شرك علب
تميبعلي فالباطن
يوم الجمعة أيضا كان نهاية مأمورية الوزير الشيخ الدكتور ولد حرمه في وزارة الصحة وربما السراي الحكومي بشكل عام، لكن التجربة في موريتانيا أكدت أن الإقالة في موريتانيا لا تعني الاستقالة ولا التقاعد السياسي . بحسب سيرته الذاتية المنشورة على صفحته الالكترونية،فقد بدأ الدكتور الشيخ ولد حرمه دراسة القرآن في السنة الثالثة من عمره، ليكمل حفظه ويجاز فيه بعد عشر سنوات،منحت الرجل لغة قرآنية وقدرة على تضمين المفردة القرآنية في خطاباته التي نحت بعد الإطاحة بالرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله منحى هجوميا مقذعا ضد زملاء المحنة الطائعية أعداء الحقبة العزيزية. مسيرة الطبيب.. اختار الدكتور الشيخ ولد حرمه – أو اختار له القدر – أن يكون طبيبا مختصا في الطب حيازة الشهادة الوطنية العليا للتخصص في الأشعة الطبية،عام 1975،وقبل ذلك إجازة الدكتوراه في الطب العام سنة 1975 منهيا بذلك عشرا أخرى في دراسة الطب بعد عشرية القرآن الكريم.
عاد الرجل بشهاداته وخبرته الكبيرة في الطب والقرآن إلى المملكة المغربية التي استضافته أرضها الوارفة،- وربما منحته جنسيتها – ومارس لحقبة طويلة العمل الطبي حيث كانت عيادته في مراكش قبلة للمرضى الموريتانيين يجدون في ’’تشخيصها وعلاجها ’’ الشفاء ويجدون من ’’ الشيخ الدكتور’’ المودة والإكرام وحمل الكل ومساعدة المحتاج.
وفي ظلال المغرب ربط الشيخ الدكتور علاقات وطيدة بالشعب المغربي والسلطة،وامتدت علاقته خارج حدود المغرب وموريتانيا ليكون الطبيب الرئيسي لرئيس أو اثنين من زعماء إفريقيا يعالج أمراضها الجسمية،أما علاج الأمراض السياسية فقد دخلت متأخرة جدا إلى برنامج الدكتور ومع بداية العشرية الأولى من القرن المنصرم.
ولظروف خاصة أو عامة، غادر الرجل المغرب – ربما ردد وهو يغادرها –
شْـــــمَشَّان واشْكــعَّدْنَ = = آنَ وانْتَ هُونْ أوحَدْنَ
يَلْعَكْلْ احْذَ دَارْ افْــــمِدْنَ = = كِبْلِتْ سَاحِلْ وَادْ احْنَيْنَ
كَانْ اگعَـــــدْنَ فِيهَ ضِعْنَ = = ؤعنها كان امشين شَيْن
مافِــــــتْنَ آن وانت ا لَثْنَيْنْ = = فِي الدَّارْ ابكين واشكين
واتْمَثــــْنَيْنَ فِي الدَّارْ إلَيْنْ = = مِنْ حَـــــقْ الدَّارْ اتْنَجَّيْنَ في مواجهة الطاغية.. انخرط الدكتور الشيخ ولد حرمه منذ عودته إلى الوطن في العمل السياسي المعارض لنظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع،لم يكن مجرد معارض عادي بل كان خطيبا سياسيا،وشخصية "كارزمية" في المشهد المعارض،دعم ضمن شخصيات محورية المرشح ذا – الصبغة العسكرية- محمد خونه ولد هيدالة. ثم دخل معه السجن رجال من رجالات السياسة،اتهمهم النظام الحاكم بالسعي إلى قلب النظام وزعزعة الأمن،وبرز الدكتور السياسي الطبيب بمرافعته الرائعة التي أطاحت بحجج الادعاء،وكشفت جانبا مهما من قدرات الشيخ الدكتور في المحاججة والدفاع. ثم خرج من السجن إلى السياسة،حيث كان منزله الرحب ساحة مهرجان دائم ’’لمطرودي السياسة ومحرومي الترخيص’’..تضامن مع معتقلي الإسلاميين ومع ضحايا القمع الحكومي ومع سجناء فرسان التغيير ..ثم تولى رئاسة حزب الملتقى الديمقراطي حمد الذي ضم أطيافا متعددة،اجتمعت على معاداة الرئيس السابق معاوية ولد الطايع ثم تفرقت أيدي سبا بعد أن أطاح به العسكر. وبعد ولد الطايع بدأت مرحلة جديدة، رفض العسكر الترخيص لحزب حمد،وطال الانتظار ..فطلب الدكتور ولد حرمه من بعض رفاقه،ترك الحزب عسى أن يجد إلى الترخيص سبيلا. فخرجوا وكلا الطرفين يردد : عليها سلام ما أحبت سلامنا فإن كرهته فالسلام على أخرى. رخص الرئيس الشيخ المختار ولد حرمه حزب تمام ..الذي لم يكن حزبا ضخما جدا ..لكنه تمتع بقيادة ذات حضور وفعالية،صحيح أنه لم يتمكن من الوصول إلى سدة الرئاسة،ولا إلى منصات البرلمان ولا إدارة البلديات،لكن الحضور السياسي كان فاعلا دون شك.
عايش حزب تمام المشهد السياسي متأثرا غير بالغ التأثير ,ودعم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله،وأشاد بحكمته وحنكته وسماحته وصلاحه،ثم ساند المنقلبين عليه فأشاد بخدمتهم للوطن وحبهم للمواطن وأزرى على الرئيس السابق سوء إدارته وبؤس فترته وتجمع المفسدين حوله وفشله في كل مجال.
نال الحزب ورئيسه نصيبا مهما من إكرام الفترة الانتقالية وفترة ما بعد ما بعد الشرعية واتفاق دكار وظل أحد الأعمدة الأساسية لحكومة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مكلفا بملف الصحة. لكن ولد حرمه اكتشف ملفا آخر حريا بالاهتمام والمعالجة ألا وهو السجال المقذع ضد زعماء المعارضة – أصدقاء الحقبة الطائيعية – فكال لهم الشتائم ووصفهم بأوصاف اليهود والنصاري والذين كفروا وضلوا وخانوا الوطن وباعوا العرض،ثم خلع على الرئيس محمد ولد عبد العزيز صفات الكرامة والنبل وكاد يخرج به عن عالم البشر ...لولا أنه رئيس الفقراء. أثار ولد حرمه في إدارته لوزارة الصحة كثيرا من الأزمات ..منها أزمة الطبيبة المغربية التي حملت اسم ’’ نجاة غيت ’’ قيل حينها الكثير عن تشبث الوزير بالطبيبة المغربية التي أثارت مشكلات كثيرة وأدت إلى صراع قوي بين شيوخ الاخصائيين والوزير لم تساعد في تجاوزه اتهامات الرئيس ولد عبد العزيز للأطباء بالإهمال وانعدام الكفاءة.
"غيت" ذات الراتب الضخم والمكانة العالية لدى الوزير ومحيطه لم تكن الأزمة الوحيدة، في قطاع الصحة..فقد توالت أزمات الممرضين والقابلات والدكاترة والأخصائيين،فمرة يتعامل مع الجميع بلباقة تشكرها بيانات نقابات الصحة وتشيد بها،ومرة يقلب لهم ظهر المجن فيكيلون له تهم الفساد والمحاباة وإهمال قطاع الصحة. ومع ذلك فقد أنجز الرجل أو أنجز في عهده – أشياء مهمة في قطاع الصحة – فاكتمل في عهده خمس سنوات من بنيان مستشفى ضخم في مقاطعة عرفات،وافتتح المركز الوطني لأمراض السرطان،حيث ’’ قال الوزير ولد حرمه للمولين والفنيين إن رئيس الجمهورية قرر أن تنتهي أشغال تجهيز المستشفى في عشرة أشهر فقط،فقالوا له إن ذلك غير ممكن فقال لهم : إنه ممكن لأن الرئيس أمر بذلك ..ثم أعاد تلك ’’ المقاولة’’ أمام الرئيس في حفل افتتاح المركز المذكور.
في عهد ولد حرمه أيضا،افتتحت مراكز لتصفية الكلى في أغلب مستشفيات الداخل،لكن بقي ملف الكلى،أكثر الملفات إثارة وتعقيدا في موريتانيا،حيث قضت الصحة على كل منافس لعيادة الحياة المقربة من السلطة برؤوسها وأعضائها..ولايزال قطاع الكلى في موريتانيا شاهد أزمة إنسانية كبيرة ..قد تكشف في وقت لاحق أن الذين أمسكوا ملف الكلى تعاملوا بكثير من ’’عدم الإنسانية’’ مع مرضى الكلى. في عهد الدكتور ولد حرمه ابتلع شبح حمى الوادي المتصدع حوالي 30 روحا بشرية في الشمال الموريتاني،فقال الوزير إن الإرهابيين والمرجفين في المدينة ..يضخمون الأمور ..وأن لا تصدع في الوادي ولا هم يحزنون ثم عاد ليحذر الناس بشدة من ’’اللحوم والألبان’’ في منطقتهم فقد بدت تصدعات الوادي تظهر للسيد الوزير اشتغل الدكتور الطبيب بالسياسة،فأصابتها مقالاته في مقتل شديد،أغضب المعارضة، وزاد احتقان المشهد السياسي،وأذكى خلافات كثيرة،ثم هاجم الجزائر،فأغضب الجار الذي ربطت موريتانيا به علاقات الحرب والسلم.
وبدا أن السياسي الطبيب فشل في مهمتيه،عندما قال ذات مرة ’’درست علاج الناس، ثم اكتشفت لاحقا أن الوطن أحق بالعلاج فاشتغلت بالسياسة’’ فلا الناس عولجوا ..حيث لا تزال أسرة المستشفى الوطني والمستشفيات الجهوية شواهد ماثلة لحقبة الفشل الطويل لقطاع الصحة – والوطن الذي اختصره ولد حرمه ذات مقال في شخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قرر التخلص من الوزير وإسناد مهمته إلى وزير قادم من قطاع البيئة وكأن الصحة قد تلوثت أي تلوث.
يغادر الشيخ ولد حرمه الوزارة،متهما من المعارضة بسوء التسيير والفشل في إدارة ملف الصحة،بل والإسهام في نشر مرض الفساد، ذلك السرطان الذي انتشر في كل الجسم الحكومي على حد تعبير المعارض النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين.
اليوم يغادر الشيخ الدكتور ولد حرمه وزارة الصحة،بحقيبة إنجازات غير حافلة،وباتهامات واسعة – حتى من الأغلبية – له بالفشل في إدارة وزارته وبانتشار الفساد والمحسوبية في صفقاتها وكل أعمالها.
يخرج أكبر وزراء ولد عبد العزيز سنا من الحكومة التي عانى من أجل ترسيخ خطابها طوال سنتين كاملتين، وحل من أجلها حزب تمام ثم أدرجه في ثياب الحزب الحاكم إكمالا للحج السياسي أو على طريقة ذي الرمة تمام الحج أن تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام.
لا شك أن الإقالة ليست نهاية العمر السياسي،فمن يعلم ربما يجد الرجل منصبا ساميا يؤكد ثقة هذا ’’الفتى الشهم’’ محمد ولد عبد العزيز في وزير الصحة السابق...سفيرا أو مديرا أو وزيرا ربما ...وإلى حين ذلك يمكن للوزير أن يستريح أياما من تعب الوزارة وينشد للبرق اليماني وهو يحدو ماء السماء حول المليح خيم واغدون ورح ثم اغدون ورح ثم اغدون ورح حتى إذا عمت السقيا مسارحها فاسق المسارح من برينة واسترح
هكذا السياسة ...غدو ورواح ومسرحيات ولاعبون وستار ...وسقيا مسارح ..ثم استراحة للمتعبين. |