يحيى ولد حامدن .. قصة عملاق أضاعه وطنه
الاثنين, 14 مارس 2011 22:30

في آمنيكير  في تخوم إكيدي اختط القدر منزلا آخرا للدكتور يحيى ولد حامدن غير بعيد من جده العلامة القاضي محنض باب ولد اعبيدي بعد رحلة استمرت 62 سنة كان خلالها أحد أبرز العقول الكبيرة في موريتانيا وربما في العالم العربي

ليس ولد حامدن غريب الوجه واليد واللسان في إكيدي..كما لم يكن كذلك في المؤسسات العلمية في فرنسا ..وإن بدا تعامل الوطن الرسمي معه ’’غريب الوجه واليد واللسان’’

لكنه اختار دائما أن يعيش بهدوء وأن يرحل عن هذا العالم بهدوء أيضا ..ولكن عبر نهاية مثيرة ..وبهدوء أكثر من اللازم تعاملت موريتانيا الرسمية مع نجل المختار بن حامدن ..فلم تذرف الإذاعة والتلفزيون أي دمعة على الجثمان الرهيب القادم من فرنسا التي عرفته باحثا لا يشق له غبار

ولم يجد وزير التعليم العالي والبحث العلمي لحد الآن في ذلك الرحيل خسارة كبرى للعلم والبحث.

 

في أطار سنة 1948 ولد يحيى لأب ملأ الدنيا وشغل الناس هو المختار بن حامدن، ولأمه مريم منت أحمد البشير وفي أطار وشنقيطي درج الطفل الذي ترتسم على وجنتيه ملامح الذكاء،وفي بيت يتنفس أهله العلم هواء نقيا وأدبا رائقا وسلوكا شهد ابن حامدن لمحات رائقة من أدب والده المختار ..ربما كان يحيى أيضا أحد شهود المختار على أن ’’ بوشاهد ’’ هو خير الجمال

تلقى القرءان والمعارف الشرعية واللغوية في البيت في بداية عمره ثم دخل الابتدائية سنة 1959 واختصرها في ثلاث سنوات،ليلتحق في 1962 بمعهد بوتلميت العلمي،حيث كان أصغر طالب في المعهد الذي كان يضم بين جنبيه خيرة علماء البلد وخيرة طلابه أيضا

واصل تعليمه الثانوي والجامعي في مصر طيلة منذ العام 1964  وبعد سبع سنوات  من الدرس العلمي المعمق حصل على إجازة برتبة الامتياز وبالرتبة الأولى على دفعته،حيث عاد إلى البلاد سنة 1971 ليلتحق بالتعليم الثانوي أستاذ للرياضيات والفيزياء في الثانوية الوطنية في نواكشوط،وطوال الفترة ما بين 1972-1976 كان ولد حامدن أحد الأسماء المؤثرة في عالم التدريس

ويذكر طلاب الراحل أنه كان مستوعبا جدا للمادة التي يدرسها،’’لقد كنا نظن في بعض الأحيان أنه ينظر إلى عويصات المسائل الرياضية باعتبارها بديهيات يتقنها كل البشر’’ ...تبرم ذات يوم بطلابه الذين لايفهمون بكثرة ..والذين لم يستوعبوا بعد الشرح العميق ’’ انعم ان شاء الله ...لكنني أنا أفهم ما درستكم’’

رفض ذات مرة أن يعطي أحد طلابه أي علامة ..حتى الصفر لأن الصفر عدد طبيعي والإجابة لا تستحق حتى الصفر ..ومع ذلك فقد درس على يد الدكتور يحيى حامدن العشرات من خيرة مدرسي الرياضيات والعلوم والمهندسين الموريتانيين الذين تركوا بصماتهم على مسيرة بلد لا يولي أي اهتمام لعلمائه وعقوله،مالم ينخرطوا في مسار السلطة،

وفي سنة 1977 التحق بجامعة السربون في فرنسا، وحصل على  شهادة التبريز مع دكتوراه دولة في الرياضيات سنة 1980. وفي نفس السنة حصل على وظيفة باحث  بالمركز الوطني للأبحاث العلمية CNRS بفرنسا.وهو الوظيفة التي ظل يشغلها ضمن وظائفه العلمية والبحثية المتعددة،إلى حين رحيله المفاجئ عن عالم ’’ الجبر والهندسة’’

 

عطاء عالمي

 

عمل الفقيد الدكتور يحيى ولد حامدن أستاذا محاضرا في عدد من الجامعات العالمية بفرنسا وإسبانيا وألمانيا وكندا وأمريكا واليابان وفنزويلا والهند، ووصل أجره إلى 1000 دولار في الساعة،بينما لم يكن أجره عندما كان في موريتانيا يتجاوز 25 ألف أوقية،أي أقل من 100 دولار ودون ,, علاوة للطبشور’’

 

وكان يحاضر بالفرنسية والعربية والإنجليزية والألمانية والإسبانية. وأنتج لوحده مائة بحث ونظرية رياضية 95 بحثا منها منشورة على موقعه الرسمي التابع لجامعة باريس6 وهو ما يتجاوز مجموع ما أنتجه كل العلماء الأفارقة في مجال الرياضيات.

-وفي سنة 2001 عين مديرا للبحث من الدرجة الممتازة في نفس المركز الذي ظل متشبثا بولد حامدن منذ أن اكتشف قدراته الهائلة قبل ثلاثين سنة

يصنف المرحوم يحيى ولد حامدن الأول عربيا والثالث عالميا في ميدان الرياضيات، كما يصنف الأول عالميا في مجال تخصصه الرياضي، وهو:

- نظرية الأعداد الزائدة Théorie additive des nombres

- نظرية مينكوفيسكي Somme de Minkowiski

- المشكلات الإيزوبيريمترية Problèmes isopérimitriques

- نظرية زوائد المتتاليات Combinatoire additive des suites

- يدخل عدد من نظرياته في الصناعات التطبيقية الحالية في مجالات المعلوماتية والكهرباء والفضاء، وفازت إحدى نظرياته الرياضية قدمها أحد طلبته اليابانيين بجائزة Médaille fields التي توازي جائزة نوبل.

 

تشبث بالوطن

رفض ولد حامدن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية،رغم الامتيازات والإغراءات الكثيرة التي عرضت عليه،كما رفض اقتناء الجنسبة الفرنسية التي عرضت عليه أكثر من مرة،مفضلا الاحتفاظ بالجنسية الموريتانية..تلك الجنسبية التي تمثل بالنسبة لابن حامدن أكثر من ورقة تمكن كثير من الأفارقة من تزويرها أكثر من مرة ..إنها رئة الإنسان التي يصعب عليه التنفس من دونها

تشبث ولد حامدن بالوطن لم يكن على مستوى الجنسية ..كان حريصا على قضاء عطله في موريتانيا حيث يعود إلى قريته النائمة في أحضان إكيدي وبدراعة بسيطة،وهدوء صارم يمضي ولد حامدن أوقاته ..بين مسجد أهله ..’’دارك فاهجيج المامومين’’ على حد تعبير أًصيله المرحوم جمال ولد الحسن.

ظل الرجل بعيدا عن الأضواء والسياسة، لم يشارك في أي نشاط سياسي ولم يعلق على أي من الأحداث السياسية المتعاقبة في البلد ربما آمن أكثر بحكمة أبيه المختار ولد حامدن

خل السياسة إلى جانب

ألق لها الحبل على الغارب

لاتكن مغلوبا ولا غالبا

كن ثالث المغلوب والغالب

ومن بين عشرات الأوسمة والتقديرات الكبيرة التي حصل عليها ولد حامدن،تقف جائزة شنقيط التي حصل عليها في عهد الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ..ربما كانت التكريم الوحيد الذي حصل عليه الرجل من موريتانيا الرسمية التي اختارت أن تغيب عن مشهده المهيب

 

رحيل مثير

 

رغم أن أسرة الرجل لم تكشف لحد الآن عن الأسباب الحقيقية للوفاة المفاجئة للعالم الرياضي يحيى ولد حامدن فإن المتداول لحد الآن يشير إلى أن الرجل غادر الدنيا متأثرا باستعماله دواء مغشوشا اشتراه من إحدى صيدليات موريتانيا،زاد عليه حدة الربو الذي كان يعاني منه منذ سنوات قبل أن يغادر الدنيا على أسرة أحد مستشفيات فرنسا .

ربما لو توفي يحيى في حياة والده المختار ولد حامدن لما زاد على عباراته الرائقة يوم تلقى نبأ وفاة ابنه الأكبر محمدن ..فردد ’’غفر الله له وألحقه بالصالحين’’

ثم دعا : يارب أُثو محمدا هذا في   جنات عدن خالدا ألفافا

يرحل الدكتور يحيى ولد حامدن دون أن يترك من صلبه عقبا في هذا الدنيا،سيبكي عليه الكثير وربما ستجد موريتانيا وقتا كافيا للبكاء

على رجل عرفنا الفضل فيه   فتى حدثا وشيخا قد أسنا

على حد تعبير والده المختار ولد حامدن..رحل يحيى بدون وداع ...وتبقى بصماته قوية في تاريخ البحث العلمي المعاصر ..أما موريتانيا فستذكره بعد حين

 

 

 

يحيى ولد حامدن .. قصة عملاق أضاعه وطنه

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox