بنت اصغير تتجول بين حقولها"منذ أكثر من 25 وسنة وأنا أعمل في هذه المزرعة التي تسمى"المشروع"، أحصل منها على ما أسد به الرمق وعلى قوت بنات عدمن العائل وفقدن الأب الحنون في سن مبكرة..في كل صباح آتي للمزرعة وأظل أعمل حتى المساء مما يدر علي دخلا بسيطا يغني عن التسول واستجداء الناس وذلك رغم العقبات والمشاق".

هكذا تختصر مريم بنت اصغير العجوز المسنة رحلة كفاحها المستميت مع لقمة العيش خلال أكثر من عقدين من الزمن بمشاتل نواذيبو. بنت أصغير التي تعيش حياة العوز والثكل بعدما غيب الموت وحيدها أصبح كل همها اليوم أن تؤمن قوت ست نساء لا يجدن غيرها معيلا. كما تقول عن نفسها.

عقود من الكفاح

تعاونية المشروع الزراعية ...تعاوينة بنت اصغيبدأت بنت اصغير مسيرة عمرها المضنية المليئة بالكفاح والصراع مع الفقر منذ أكثر من 24 سنة أوتزيد ، بدأتها يوم وجدت نفسها مرغمة على ركوب موجة العزم والسير في طريق الحياة المزدحم بالحيرة والشك والاضطراب . بوجه شاحب وأقدام مثقلة بعاديات الزمن وهموم البنات وحاجياتهن الكثيرة ، تحاول بنت اصغير المرأة العجوز التي تطل على عقدها السابع من شرفة الفقر المدقع، "أن تضع في أدواتها الذكاء" لتسير بين بساتينها المتواضعة علها توفق في أن ترويها قبل أن يباغتها غروب الشمس والظلام الدامس فتضطر لمغادرة المزرعة رغما عنها قبل إنهاء عملها المقرر إنفاذه يوميا.

مع إشراقة كل شمس تأتي بنت اصغير لمزرعتها المتواضعة لتبدأ مسيرة كفاحها اليومي..تأتي العجوز المسكينة فتقوم بتفقد مزرعتها البسيطة كل صباح لتستأنف رحلة الكفاح والشقاء من غرس وتشذيب وسقي وحمل للمياه وتعهد لنباتات نادرة .

سلخت بنت اصغير مسيرة 60 سنة من عمرها في خضم بحر الحياة الزاخر، وجربت بالتالي مدة 24 سنة أكثرمن وسيلة لطرق أبواب العيش الكريم ...فمرت عليها عقود من الزمن وهي في كفاح مستميت مع الفقر ولقمة العيش. إلا أن الزمن لا زال يضن عليها بالكثير من الوسائل والآليات التي قد تساعدها في القضاء على شبح الفقر المخيم على كيان أسرتها المتعبة ، ورغم ذلك تظل بنت اصغير صابرة مؤمنة بقضاء الله وقدره ، تعمل ليل نهار لتحصل على عيشة كريمة هادئة من خلال مزرعتها المتواضعة.

تجارة رابحة

ليست العجوز مريم بنت اصغير من تعمل في مشاتل نواذيبو لكسب القوت والتخفيف من وطئة الغلاء والفقر وقد لا تكون وحدها من تكافح وتمضي يومها بين حقول ترويها من أجل لقمة العيش بمزارع نواذيبو ، بل هناك مجموعة من الفقراء اتخذوا من الزراعة إطارا للكسب الحلال رغم الصعاب التي يعانون منها وهم يزاولون زراعتهم بأيديهم..وفي سبيل ذلك ظلوا يستخدمون الوسائل البدائية في العاصمة الاقتصادية.

تشكل المزارع بنواذيبو تجارة رابحة للذين يتخذونها وسيلة للحصول على لقمة العيش الكريم ، فالمزارعون يقومون ببيع الخضروات هناك، وتتميز مزراعهم بتنوع غلتها  واختلافها رغم العوائق التي تقف حجر عثرة في وجه المزارعين. كما يقول رواد المزارع ، لكن مع كل ذلك لا يزال الكثير من الفقراء يتخذها وسيلة للكسب الحلال.

سيدات ولد الأجود مزارع اتخذ من هذه الحرفة ميدانا للكسب الحلال ، قال إنه يعيل أسرة كبيرة تثقل كاهله منذ فترة، لكنه استطاع أن يحصل من خلال مهنة الزراعة على ما يعينه على توفير ما يحتاجه بناته السبع يوميا من خلال بيع الخضروات بالفرد والجملة.

ويقوم ولد الأجود ببيع الخضروات للتجار والمواطنين هناك بمدينة نواذيبو ، وقد يتجاوز دخله اليومي"4000"أوقية إذا اتخذ نظام الفرد ، ويصل بعض الأحايين"50.000" أوقية إن هو استخدم نظام الجملة.

عقبات جمة

عقبات جمة يعاني منها المزارعون بمدينة نواذيبو ، وهذه العقبات الجمة رددها المزارعون بين الحين والآخر خلال حديثنا معهم عن الوضعية التي يعيشونها هناك..وقد استعرض المزارعون خلال هذا الحديث مجموعة من العقبات التي تقف حجر عقبة بين المزارعين وعملهم الذي لا يجدون بديلا عنه للكسب الحلال. سيدات ولد الأجود أحد المواطنين الذين اتخذوا من الزراعة مهنة رئيسة له منذ ردح من الزمن ، يقتات عليها هو وأفراد أسرته ، يقول إن من أهم العقبات التي يعاني منها المزارعون عدم توفير المياه التي يستعملها أصحاب المزارع في ري بساتينهم يوميا. وكذا عدم تجاوب الدولة مع أصحاب المزارع الذين يساهمون في توفير الخضار لسكان مدينة نواذيبو. يقول الأجود.

                       ************

رغم كل شيء يظل الفقراء يكافحون كفاحا مستميتا من أجل لقمة العيش الكريم هناك بمزارعهم بمدينة نواذيبو ، وتظل بنت أصغير العجوز المسكينة العنوان الأكبر للمأساة التي لا تزال تلاحق أصحابها بعد إعلان نواذيبو منطقة حرة..لكن يا ترى متى يأتي اليوم الذي سيتحرر فيه المزارعون من قيود تلك المأساة التي عانوا منها عقودا من الزمن؟؟.  

موفد السراج/ العاصمة الاقتصادية نواذيبو