مأساة ولد أحمد بين قصور مكة وأحياء صفيح عرفات
الخميس, 07 أبريل 2011 08:56

محمد الامين ولد أحمد رجل خمسيني ، قضى من عمره اثنتين وثلاثين سنة في المملكة العربية السعودية - التي ما زال لسانه تغلب عليه لهجتها المحلية - يعاني اليوم مشاكل جمة واتهامات متعددة ومكابدة حال ابن شقيق وإعالة أسرة جلها من النساء، تفاصيل رسمت ملامح حياة ولد أحمد في البلاد المقدسة وفي وطنه الأم.

 

 

بداية المأساة

 

صور تحوي جهازي التنفس وصورة الشاب المريض صور تحوي جهازي التنفس وصورة الشاب المريض قصة ولد أحمد لها فصول متعددة، فقد شاءت الأقدار له أن يعيل أبناء أخيه الذي توفي في السعودية بعد أن داسته أقدام الحجيج في الجمرات أيام الحج  ليرقي إلى بارئه جل جلاله .

 

ترك الأخ الشهيد "ابنين وابنتين يجريان"..تحولا فورا إلى منزل محمد الأمين لكن احد الأبناء أصيب بمرض مزمن حيث كسر عموده الفقري وبقي طريح الفراش ..قصة يتذكر محمد الامين لحظاتها المريرة بحزن عميق..عندما يقعد المرض شابا في مقتبل العمر ويكلف علاجه أموالا لا قبل للأسرة بها .

 

 

ذهب ولد أحمد بابن أخيه الفقيد إلى مستشفي الملك فهد وأمضى فيه ما يزيد علي سنة كاملة خاضعا للعلاج، لكن الحالة ازدادت صعوبة بعد أن أصيب بضيق في التنفس يحتاج شراء آلة للتنفس الإصطناعي كلفت عشرة آلاف وثلاث مائة ريال سعودي باع محمد الامين سيارته "جيمس"واشتراها من ثمنها كما يقول.

 

 

رجع الكل إلي البيت مسرورا بتوفر العلاج للإبن الذي لن يكون بمقدوره التحرك بقية عمره من ذلك السرير..أيام قليلة وتدهورت الحالة الصحية وأمر المستشفي بشراء جهاز أحدث من الأول يبلغ سعره اثنين وثلاثين ألف ريال وهو المبلغ الذي ليس بمقدور العائلة توفيره.

 

 

شق الخبر علع محمد الامين وتحركت الحاجة داخله وهزته بعد عمر من الأنفة والكبرياء وفإحدي رسائل ولدأحمد إلي مفوض حقوق الأنسان إحدي رسائل ولدأحمد إلي مفوض حقوق الأنسان تح الباب لكل الموريتانيين والوافدين – كما يقول – ...سيصبح محتاجا لمد يد العون له لتوفير مبلغ جهاز ستتلاحق بعده مصاريف الدواء للشاب الطريح .

 

 

تحرك ولد احمد إلي أحد المحسنين فعاين الحالة وأعطي رسالة حملها ولد أحمد إلي صيدلية الكندي حيث أعطوه الجهاز وذهب به مسرورا إلي البيت لأنه سيخفف من معاناة ابن أخيه ولو لفترة محدودة ينعم فيها بقسط من راحة البال.

 

 

احتيال وشعوذة

 

لم يكتف الزمن من هذا الشيخ بتقلب الحال المادي بل خبأ له ما لم يكن يخطر علي باله أن يفعل به طيلة حياته...اتصل شخص على ولد احمد عارضا تقديم مساعدة في دواء الابن المريض رفض محمد الامين قائلا كل ما نحتاجه هو الجهاز وقد حصلنا عليه لكن الإلحاح من الشخص لم يبق أمام ولد أحمد الكثير من الفرص.

 

 

يروي ولد أحمد جزءا من القصة المؤلمة قائلا "توجهت إليه وصعدنا للطابق الحادي عشر حيث وجدت معه أربعة رجال اتهموني بالحصول علي الأموال بطرق غير شرعية وأمر من معه باعتقالي أنا وزميلي من موريتانيا.

 

 

أخذو كل ما عندنا وذهبوا بنا إلي الشرطة حيث كتبت محضر تحقيق وذهبنا إلي المدعي العام الذي أمر بإطلاق سراحي لعدم وجود أي دليل علي ما يقولون .

 

 

مرت أيام قليقة وأعيد اعتقالي من جديد لكن هذه المرة تغيرت التهمة حيث صرت متهما بالشعوذة، حكم علي بمائة وخمسين جلدة وسجن شهرين والإبعاد إلي موريتانيا، ومع أن القاضي لم يسألني ولم ينظر في ملفي فعندما اعترضت علي حكمه أمر بسجني.

 

 

بعد قليل صدر عفو عن بعض السجناء كنت من ضمنهم وبرئت من كل التهم وصدرت مذكرة اعتقال في حق من اتهموني، واتصلت الشرطة علي لأخذ نسخة منها لكن متاهات الأمن المتمالئ غيبتها ولم أحصل على نسخة منها رغم حصولي على رقمها من طرف الجهات الأمنية .

 

 

فكر اللصوص في مخرج يخلصهم مني بعد أن صدرت مذكرة باعتقالهم، وفي ليلة من ليالي مكة المكرمة وفي الساعة الرابعة صباحا طرق الشرطة باب المنزل وأمروني بالذهاب معهم...أخذوني إلي المطار وغادرت إلى المملكة المغربية ومنها إلي موريتانيا لا أملك حتي تأجير سيارة أحرى منزل في انواكشوط أو مأوى من أي نوع. .

 

وتستمر المعاناة

 

جئت إلي موريتانيا وتركت - مكرها- ابن أخي يعاني من أمراض مزمنة ومعه نساء وطفل صغير ليس من بينهم من يدبر أمر بيتنا الكبير...لم أجد في موريتانيا من يستقبلني رغم كثرة من استقبلتهم في منزلي في السعودية".

 

 

تستمر مأساة محمد الأمين ويبيت ليال عديدة أمام محطة للوقود في عرفات ظنه البعض أحد العاملين فيها ليتبين له أن الفقر والحاجة ألجأته للإحتماء بضوءها من أيادي اللصوص التي طالته مرات عديدة في عاصمة دولته.

 

 

طرق ولد محمد الأمين كل الأبواب الرسمية لإسماع صوته ورفع الظلم عنه...وقف أمام أبواب كل وزراء الخارجية والداخلية والعدل وحقوق الإنسان... يتذكر كل المعاملات التي تلقاها ويكن الود والإحترام لوزيرحقوق الإنسان الذي أعطاه مائة ألف أوقية وأعطاه مساعدوه ما يقارب ثلاثين ألف أوقية كانت الحاجة ملحة في إرسالها للأهل في السعودية لإعادة الكهرباء للمنزل.

 

 

يحاول ولد احمد جاهدا الوصول إلي الرئيس محمد ولد عبد العزيز دون فائدة...مطالبه شرعية وبسيطة...رفع الظلم عنه في السعودية عن طريق وزارة الخارجية الموريتانية...وإعادة حقوقه إليه ومساعدته في توفير مسكن يليق بالإنسان ليعيش فيه بقية عمره الذي لم يعش منه إلا القليل.

 

 

التحقت بنتا محمد الأمين به في موريتانيا قبل أشهر مفضلات العيش معه عن البقاء في السعودية لكن الأقدار هذه المرة ابتسمت في وجه الأسرة ابتسامة خفيفة حيث أعطت محسنة هالها مبيت ولد احمد عند محطة الوقود قطعة من "كزرة عرفات"...يسكن الآن في خباء من النوع الرديء بناه بمساعدة الآخرين ومعه ابنتاه دون غطاء وكساء أحرى شراب أو طعام.

 

 

لا يستسلم ولد أحمد ويعرف تقلب الأحوال ويصر على المضي في الطريق حتي يسترجع حقوقه متعجبا من تنكر القبيلة والضيوف ـ الذي سكنوا معه طويلا في السعودية ـ والحكومة والوطن له وكأنه أتى بجرم من الموبقات أو بها مجتمعة...يسير ولد أحمد ولو ببطء واثق الخطى متأكدا من نصر خالقه له لأنه مظلوم في وطنه ومظلوم خارجه.

 

 

حتي وهو يغادرني يحمل صور الولد بين يديه يعيد النظر إليها ويقلبها وكأنها كل ما بقي لديه من تلك الذكريات الأليمة...أو ربما هي الوقود الذي يحركه ويدفعه للإصرار ...يضع نصب عينيه مساعدة المحتاج والمريض ويتخيل صورة أخيه ويواصل المسير حتى نهاية طريق قصرت مرات في وجهه ولازال يتمسك ببصيص أمل في آخر النفق.

مأساة ولد أحمد بين قصور مكة وأحياء صفيح عرفات

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox