أم الخير ..بقايا إنسان ..وتاريخ من الحرمان
الأربعاء, 13 يوليو 2011 14:29

alt ولدت يوم الجمعة في -انبيكة إجكوج- .. في عام تقول أم الخير إنه كان "عام النيسان" أو "عام طلوع النصارى الأول"، كما تقول .. وهو ما يوافق بدايات القرن الماضي. لم يدر بخلد السيدة "أم الخير منت بلال" أن عوادي السنين ستفرّق بينها وبين أول أرض لامست قدماها ترابها.

 هجرت أم الخير مرابع الخلاّن، لأسباب لم يكن عقلها الصغير حينها يدرك كثيرا من تفاصيلها، لكن السنين الطويلة التي فعلت في أم الخير فعلتها، لم تنسها أبدا أنها قدمت إلى روصو من المذرذرة، وبالتحديد من مرابع "أفجار" التابعة للتاكلالت.

 

رزقت"أم الخير" من الأبناء العديد، لكنهم قبل البلوغ ماتوا - تقول "أم الخير"- بمرارة وقد اغرورقت عيناها بالدموع .. توفوا جميعهم بإستثناء إبني "ورزك ولد امبارك"، لتتنازع أم الخير لوعة الغربة، وفراق الأحبة، "لقد تيتمت هذه الكهلة مرتين" على حد تعبيرها.

لاتخفي تجاعيد "أم الخير" المأساة التي ألمت بها، لكنها بقناعة قوية، وروح دعابة لاتنقطع، تواصل رحلة حياة لا يبدو من تفاصيلها أنها ستسعد فيها ولو زاد في العمر الزمان، بعودة كريمة إلى مرابع ألفتها أيام الصبا، وكأنها قد وجدت في مؤانسة سكان حيّها، وتقديرهم لها، مؤنسا رغم قهر الغربة، ووحشة المكان.

 

altرحلت "أم الخير" من حي "دملدك" في روصو بعد أن قررت السلطات إعادة تخطيط هذا الحي، وحصلت على قطعة أرضية في الكلم 7 من روصو، لتواصل رحلة من رحلات العذاب والمعاناة الطويلة، التي خبرتها "أم الخير" منذ نعومة أظافرها.

 تشتري ال 20 لترا من ماء "الجهرة" ب 50 أوقية، و"الجهرة" لمن لايعرفها - تقول أم الخير- إنها لأحد المزارعين، وفيها يقضي الناس "حوائجهم"، ويستحمون ويشربون .. ولهم فيها مآرب أخرى.

وتسترسل أم الخير لتذكر أيام روصو قائلة .. "شهدت هنا "سيلة لكوارب" مرتين .. الأولى كنت مع والدتي "السالمة"، وخالتي "تنوازن".

لا تتذكر "أم الخير" شيئا من المذرذرة .. فعوادي الزمن الطويلة أنستها الكثير، لكنها لم تنسيها "كرّاي ولد أحمد يوره"، و"محمذن فال ولد متالي"، وحين يذكر الثنائي الشهير تعجز "أم الخير" عن أن تمسك عليها دموعها التي تسيل مدرارة لهول فاجعة الغربة، التي جعلت "أم الخير" تواجه اليوم بالسؤال .. هل تعرفين "كرّاي ولد أحمد يوره".

إشتاقت "أم الخير" إلى المذرذرة كثيرا .. حتى وإن كانت تدرك في نفسها أن الأرض بدّلت غير الأرض، والسماوات كذلك، وأن المذرذرة أيام كانت "أم الخير" تتبع "خرفان اعربها" لم تعد كما كانت.

وتقول "أم الخير" بمرارة .. كل الذين تعرّفت عليهم في المذرذرة أصبحوا تحت التراب، ورغم ذلك فإن "أم الخير" تزداد يوما بعد يوم شوقا لتلك الأرض المعطاء، التي خبرتها لسنوات طويلة، وحتى وإن كانت تدرك أن قطار العودة فاتها، فإنها تعلم علم اليقين أنها في "المذرذرة اليوم" قريبة الفم واليد واللسان.

ترى هل استمتعت أم الخير يوما بالشعور بأنها إنسان .. له الحق في أن يعيش وأن يشعر بإنسانيته ؟؟

وهل ياترى امتكلت أم الخير يوما من نواصي الفلسفة ما تتأمل به شريط الحياة، وتفهم قصة الحياة ؟؟

هل ادركت ام الخير أن الحياة ماهي الا لحظات من زمن، بين ميلاد محسوب، وموت محتوم .. قد تطول نسبيا وقد تقصر فعليا .. يتمتّع فيها الإنسان بما يؤتى من فرص المتعة، وينجز فيها ما كتب له من إنجاز .. ثم يمرّ .. فيقال مرّ وهذا الأثر .. أو مرّ ولا أثر..

الحياة عوالم .. ولأم الخير، وأمثال أم الخير عوالمهم المحجوبة عن غيرهم .. لهم طريقتهم الخاصة في ممارسة السعادة، ولهم أسلوبهم الخاص في ترك الأثر .. ؟

altوأمام الكل رب كريم .. أوسع من كل ما نتصور .. يعلم ويقدّر براءة البريئين ربما أكثر من شطارة الشاطرين .. ويرحم بؤساء تلك القصة التي يسمّونها الحياة، أكثر مما يعبأ بمحظوظيها ومترفيها..

 

الله أعلم وأعظم وأكرم..

 

(المذرذرة اليوم )

أم الخير ..بقايا إنسان ..وتاريخ من الحرمان

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox