عيشة بنت محمد.. محطات من رحلة شفاء لم تكتمل بعد |
الأحد, 31 يوليو 2011 16:30 |
تعاني الطفلة عيشة بنت محمد، التي لا يتجاوز عمرها أربعة أشهر من ورم شديد في الرأس سبب لها آلاما كثيرة ودائمة، ولأمها وخالتها ألما نفسيا وسهرا متواصلا... أمل رغم الصعاب: آمنة بنت محمد والدة الطفلة، مطلقة منذ فترة، وبجهودها الذاتية استطاعت أن تصل انواكشوط قادمة من مدينة النعمة في أقاصي الشرق الموريتاني بحثا عن دواء مناسب لابنتها... جاءت ولا يحدوها الأمل في الشفاء بقدر ما تحدوها الشفقة على فلذة كبدها عيشة. قررت النزول عند ابن خالتها سيد المختار، ليقوم بدوره في رحلة البحث عن مال كاف لعلاج الطفلة... سيد المختار ليس ذا مال ولا جاه (كما يقول) ورغم ذلك استطاع التحرك بين بعض زملائه ومعارفه من المحسنين ليحصل على جزء من نفقات داواء عائشة... التشخيص وبداية المواعيد: ما إن حصل سيد المختار على ما حصل عليه من مال حتى توجه بابنة خالته إلى المستشفى العسكري، من أجل تشخيص الداء، كلف جهاز الكشف عشرين ألف أوقية، وكلف المخدر خمسة آلاف، لتكون تلك أولى دفعات العلاج التي لم تعرف النهاية بعد... تم تشخيص المرض، وأكد الأطباء أنه يحتاج عملية جراحية اختار ذوو الطفلة أن تكون في مستشفى الشيخ زايد عل أن يكون ذلك أخف عليهم في ناحية التنقل على الأقل... جاء ذووا عيشة إلى زايد قبل ثلاثة أسابيع، وتم الاتفاق مع المخدر على الأربعاء كموعد للعملية، ولكن ما إن حان الموعد حتى تأجل إلى الأربعاء الموالي لأسباب لا يعرفها سيد المختار ولا ابنة خالته آمنة بنت محمود (أم الطفلة). قبلت آمنة والأمل في الشفاء، والحرص على عطف الأطباء حاديها إلى القبول.. رغم كون المال لا يساعد، وذوو القربى "بعداء"، والدار شطت، وقل الزوار، والغربة تفعل في النفس فعلها... جاء الأربعاء الآخر واستقبلته آمنة بأمل كبير واستعداد، وجاء من شاء الله أن يأتي من ذوي الطلفة عشية، وبعد ساعات انتظار في مستشفى الشيخ زايد جاء التأجيل مرة أخرى... نزل قرار الأطباء بتأجيل العملية صدمة للسيدة آمنة.. ونزل عليها نزول الصاعقة.. فكرت وقدرت، وقلبت الأمور.. فلم تجد بدا من الانصياع لطلب الأطباء، وكيف لا وعيني ابنتها ما زالت ترمقانها رغم الضعف الواضح في جسم الرضيعة... جاء الأربعاء الآخر وقد ملت آمنة وكلت ولا أمل يلوح في الأفق.. جاءت إلى المستشفى، وما ترجو أن تعود إلا وقد خرجت بابنتها من غرفة العمليات ضاحكة مستبشرة مشفية بإذن الله، مرت الساعات والساعات، وطال الانتظار، والأم بين تصور العملية وغرفتها وتتخيل ابنتها وقد خرجت من الغرفة ورأسها قد فقد نصف حجمها، لتفقد باقي الحجم الزائد منها بعد أيام... جاء قرار التأجيل مرة أخرى... فكان صعبا على نفس انتظرت ستة أسابيع في مدينة نواكشوط البعيدة عن مرابع الأهل والأحبة... ولكن تقبلت القرار بصعوبة نظرا لكونه حولها من مستشفى الشيخ زايد الذي ملت مواعيده، وهرمت في انتظار لحظة أدركت أخيرا أنها لن تحين... قبلت التوجيه إلى المستشفى الوطني، (رغم الأعباء المالية التي ستنضاف لما كان من أعباء أخرى) وقبلته لأن الأربعاء "المشؤوم" ليس موعد المستشفى الوطني، وإنما الموعد الأحد... شر البلية ما يضحك: رجعت الأم تحمل رضيعتها يحدوها الأمل في الأحد تعد اللحظات، وتحسب الساعات.. لسان حالها -وقد خف الزاد- (بماذا أفد إذا يهل الأحد؟!). حصل على كل حال بعض المال، بهبات وتبرعات من زملاء سيد المختار، وأقارب الأسرة بشكل عام، وجاء الأحد بعد انتظار طويل... كان يوما مشهودا ومهما.. ترك سيد المختار عمله وتوجه إلى المستشفى الوطني رفقة ابن خالته، وجاء بأفراد من العائلة بصحبته... كان الأطباء مشغولين، وعالم المستشفى الوطني عالم معقد مليء بالأشخاص والأمراض والأطباء... ظلت آمنة ترقب كل ذلك، تراوح بين التقاط نظرات من العالم الجديد، وبين ابنتها الحبيبة، بقيت كذلك بضع ساعات.. كان مديرو سيد المختار يتصلون عليه يسألون عن الجديد، ويواسونه، ولو بميسور من القول، ولكن في كل مرة يتصلون يخيل إليه أنهم يطلبونه للعمل، كما أنه في كل مرة يمر ممرض أو طبيب من أمامه يخيل إليه أنه سيدخل الطفلة إلى غرفة العمليات... سارت الأمور على ما يرام، طلب من آمنة توفير مبلغ 53 ألف أوقية باعتبارها تكاليف أولية للعملية، ورغم صعوبة الموقف دفعت المبلغ وأخذت الوصل... اشترو الألبسة والمعدات المطلوبة للعملية، وفجأة جاءت إحدى الممرضات لتطلب من الأسرة (بصيغة الأمر) الانصراف حتى الأسبوع القادم. لم يستطع أي من المعنيين تفهم الطلب، ولا استيعابه، كيف ونحن مللنا وكللنا، وفي كل أسبوع قصة جديدة وعذر جديد...؟! ثارت ثائرة آمنة، واندفع لسان سيد المختار يرسل شتى أساليب الاستفسار والاستنكار. وزعت الممرضة نظرات بين آمنة وسيد المختار وقالت بشكل جازم وحازم ونهائي: "خالك الا ذاك" حاول سيد المختار إقناعها بالتراجع لم توله أي اهتمام ولت القهقرى ووصدت الباب خلفها. سالت عبرات وكورت دمعات في عيون, وغصت أحلاق بريق.. وكان الضحك خير وسيلة للتعبير عند البعض، وشر البلية ما يضحك تفرق الأفراد الخمسة المجتمعون كل يبحث عن طبيب أو مُواس، أو فاعل خير يساعده على ما حل به... بعد ساعات انتظار وحيرة جاء طبيب آخر وطلب التحول من المستشفى الوطني إلى مستشفى الصداقة في عرفات، فكانت تلك الطامة الكبرى، كيف يمكن أن نتحول وقد مللنا التحولات..؟؟ رفضت آمنة رفضا باتا وحشرجت وبكت، وأخيرا جاء طبيب آخر توسط فكان الحل أن يقلص الأجل وتجرى العملية غدا في المستشفى الوطني. اعتذر الطبيب الأخير عن الخطأ في التأجيل، وأكد أن سببه حالة مستعجلة كان لا بد من التعامل معها، ووعد خيرا. وما زالت آمنة وسيد المختار، وقريبتاهما (بعد شهرين من الانتظار) في انتظار غد الإثنين فاتح رمضان، ومستهل أغسطس، فهل سيحمل الشهران الجديدان الشفاء للطفلة عيشة، فتعود آمنة بابنتها إلى النعمة، وتعيش خريف هذا العام هنالك، أم ما زالت في المسرحية فصول؟؟ |