سيدينا ...رحلة العذاب من مناجم اسنيم إلى زنازين البوليساريو
الأربعاء, 07 سبتمبر 2011 18:47

 

altaltلم يكن سيدنا ولد محمد أحمد يعلم أن كل أحلامه حين كان في مقتبل العمر ستتبخر هكذا في لمح البصر ويصبح هو عنوانا لمأساة مزدوجة ، طرفاها جلادو البوليساريو ووطنه الذي كان كل الذين حكموه يحسبونه تركة ورثوها عن آبائهم ، وليس للمواطن الغريب حق فيها .

 

     

    حين تنصت إلى هذا الرجل يروي فصولا من قصة مأساته وهو يحتضن حفيده فإنك ستتخيل أنه يعيد تمثيل قصة البؤساء ( Les miserable  )في طبعتها الجديدة  التي لم تنشر بعد ، بل ربما تخيلت أنك تجالس  جان فلجان ( Jean Val jean ) وفي حضنه كوزيت (Cosette).

    

        بدأت قصة هذا الرجل ( أو على الأصح بقايا الرجل ) عندما حصل على الشهادة الابتدائية في نهاية الستينيات وتم اكتتابه في ( شركة ميفرما ) التي ستصبح بعد تأميمها الشركة الوطنية للصناعة والمعادن ( سنيم ) والتي أوفدته إلى فرنسا للتكوين في مجال الاتصالات ، بعد التخرج عمل مسؤولا عن جهاز الاتصال على متن قطار الشركة الناقل للحديد ، وبدا له أن الحياة بدأت تبتسم في وجهه وأن كل أحلامه ستتحقق ، فقد كانت رواتب الشركة يومها من أعلى الرواتب ، وامتيازات عمالها كثيرة ، وكان كل يوم يمر يحس فيه بأنه تقدم خطوة نحو ما يصبو إليه من توفير حياة كريمة له ولأسرته إلى أن جاء اليوم الذي بدأت فيه كل تلك الأحلام تتلاشى لتترك مكانها لقصة معاناة لازالت فصولها مستمرة .

     

        قرب مدينة افديرك في الشمال الموريتاني تم اختطاف سيدنا ( جان فلجان موريتانيا ) مع مجموعة من المدنيين الموريتانيين مثله على يد مجموعة من جلادي البوليساريو ، اقتادتهم إلى تيندوف حيث تم الزج بهم في معتقلات جهنمية ذاقوا فيها صنوف العذاب طيلة أربع سنوات ، تم تسليمهم بعدها إلى وحدة موريتانية ، يقول ( سيدنا ) أن جلادي البوليساريو كانوا أرحم منها في تعاملها معهم ، حتى أن بعض من استنطقهم من هذه الوحدة سألهم لما لم يجلسوا في المخيم ؟ وهنا يستغرب المسكين السؤال لكونه من سكان مدينة " تيشيت " التاريخية ولن يقايضها بأرض " لحمادة " إلى أن حضر إليها مجبرا ، ولا شك أن هذا السؤال يذكر ضحايا البوليساريو من المدنيين الموريتانيين بالحملة الدعائية التي شنها المسؤولون السياسيون لهذه الأخيرة داخل المخيمات على موريتانيا بعد اعترافها بالجمهورية الصحراوية ، قصد الإيحاء بأن هذا الاعتراف جاء للتغطية على عمل "الجواسيس " الذين أوفدتهم لتخريب البوليساريو من الداخل ، في وقت كان البعض داخل المخيمات يتعمد " التشفي " في الموريتانيين بلغة ساخرة : " نحن نحكمكم هنا ونحكمكم في موريتانيا في إشارة إلى رئيس موريتاني سابق يرى الضحايا أنه شارك في محنتهم بطرق متعددة .

    

 يتابع سيدنا فيقول :

    

        لم تكن مأساتي لتنتهي بالسجن وويلاته طيلة تلك الفترة ، بل إن أسوأ فصولها بدأت عندما عدت إلى وطني ، فبعد عمليات الاستنطاق التي تعرضت لها على يد من يفترض أن يكونوا أرفق بي من الغير ، فوجئت بأني قد فصلت دون حقوق من العمل وأنا في سجن البوليساريو ، وكان رد الشركة عندما طالبت برواتبي طيلة فترة اختطافي هو أنني مختل عقليا ، لأني أطالب بحق ليس لي ، وقد فشلت كل محاولاتي لنيل هذا الحق حتى اليوم .

      

        كانت هذه رؤوس أقلام من قصة سيدنا ولد محمد أحمد ، وهي قصة معاناة عادية مثل قصص كل البؤساء في وطن ظل حكامه ونخبه يبنون أمجادهم في ما مضى على سحق الضعفاء ونشر الظلم  ، ثم الاحتكام إلى قانون الغابة .

 

        أما اليوم وبعد أن أصبحنا نتغنى بدولة القانون والحق فإن قصة هذا المسكين لها وجه آخر قد يعكس قبح أغنيتنا إن لم نلتفت إليه جميعا ، هيئات رسمية ومنظمات مدنية ، وإن كان فينا من متسابقين لفعل الخير فإني أنقل لهم صورة ولو تقريبية عن الوضعية المؤلمة التي يعيشها هذا الرجل ، والذي لا شك أن له حقا علينا كمسلمين وكبشر وكوطن .

 

-/ اسمه سيدنا ولد محمد أحمد ، يسكن في مدينة انواذيبو ، شبه فاقد للبصر، يبذل جهدا كبيرا إن أراد الحركة ، يسمع محدثه بصعوبة ، له بنتان إحداهما أرملة ولديها طفلة يتيمة ، يسكن بيتا متواضعا جدا تعود ملكيته لزوج ابنته ، لا معين له إلا الله وكفى به من معين .

-/ أكثر ما يؤلمه هو وضعية زوجته التي تتفطر الأكباد لحالها ، فهي تعيش بين الحياة والموت بسبب المرض الذي جعل أقرب تشبيه لها هو الجنازة التي لم تكفن ، ويكفي أنه تلزمها الحفاظات كالمواليد ، وإكراما لآدميتها لم نستطع تصويرها .

 

       هذا قليل من كثير ، فهل من صاحب قلب رحيم يريد أن يساهم في تغيير تلك الصورة القاتمة لهذه الأسرة المسكينة ويدعونا لنزوده بعنوانها وهاتفها لعله يكون ممن يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله .

      نعرف أن البعض قد يحاجج بكثرة الأسر المحتاجة ، لكننا نقول بأن من رأى ليس كمن سمع ، وأن بعض الشر أهون من بعضه .

 

 وإلى الجميع نوجه النداء :

 

-/ إلى السيد رئيس الجمهورية : إن كنت لا تزال – يا سيدي – رئيسنا نحن الفقراء فهذه الأسرة منا وتحتاج إلى رعايتكم ، وهي من رعيتكم التي ستسألون عنها غدا بين يدي الله ، فخف منها – سيدي – كما خاف عمر من أن تعثر بغلة في بغداد .

 

-/ إلى رؤساء الأحزاب السياسية : يا من ملأتم الدنيا بكاء وعويلا على ضياع حقوق المواطن وتنحبون على حاله المزري ، إن لم تكونوا تريدون إطعام الله ( كما جاء في الحديث القدسي ) فتذكروا أن هذه الأسرة المسكينة تملك من البطاقات أربعا ، وقد تخسرون بطاقة الأم المريضة إن لم تبادروا للمساعدة في إسعافها .

 

-/ إلى كل أصحاب المنظمات التي تشتق من الرحمة والبسمة والسعادة اسما لها : بادروا للمساعدة وإلا فاخلعوا عنكم الأسماء المفرحة واشتقوا لمنظماتكم أسماء من ( التبتبة ، البزنسة ، أو من أي مصدر لا يوحي بالرحمة ) .

 

-/ إلى كل التجار : إن كانت الأزمة الاقتصادية العالمية قد أضرت باستثماراتكم فهذه تجارة مع الله لا تهزها الأزمات ولا يعرف الكساد إليها طريقا.

 

-/ إلى جلادي البوليساريو الذين كانوا السبب في بداية مأساة هذا المسكين نقول : هذا شبح جديد انضم إلى قافلة الأشباح التي ستظل خلفكم .

 

 

 محمد فال ولد القاضي

       الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة

 هاتف / 22 21 37 76

سيدينا ...رحلة العذاب من مناجم اسنيم إلى زنازين البوليساريو

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox