المختار ولد محمد...طفل يترعرع في كنف السرطان.
الأربعاء, 11 يناير 2012 12:13

الطفل المختار ولد محمد المصاب بالسرطان-السراجالطفل المختار ولد محمد المصاب بالسرطان-السراجفي الشهر السادس من ولادته, وبعد أن استبشر الأهل بجمال طفولته التي أنبتت  في محياه زهورا  تفوح برائحة البراءة, وبينما تلك الزهور تزداد بهاء تحت سماء العافية إذ ظهرت عيناه ذات صباح و كأن شيئا يراودهما ليستبدلهما غيما بعض وضوح ساحر.

وزاد ذلك المجهول من قبضته واستحكم في مقلتيه. فسالت لذلك دموع والدته الحنون التي لا زالت تسلعها نار الفاجعة, وهي ترقب ابنها المسكين الذي ضعف حاله أمام موجات القدر التي حولت حياتها إلي أرق شديد ونار تتلظي.

الطفل اليافع المختار ولد محمد ولد أعمر ولد في شهر "مايو أيار من عام 2010" في أبيك 11 قرب شارع الناجي كما تعارف عليه الناس, يومها فرح الأهل بمقدمه كثيرا واغتصبت أمه حين ولادته بسمات على كره تقلبت بها علي آلام الولادة. وانفق الأب من ما آتاه الله في يومه ذلك ما ستطاع, وعم نسيم الفرحة كل جنبات منزل أهله المتثاقل بحمل التعب والضعف والخشونة التي هذبت أرضه وشكله كثيرا وما زالت تتوعده بالمزيد.

 في ذلك اليوم لم يكن في الحسبان أن الأيام تخفي ما جاءت به من ألم أقل ما يقال عنه إنه متصاعد بكل المؤشرات المنبثقة من أفق وضعية المختار المترعة بألوان الألم وأشكال الحزن الفاجع.

رحلة التــــــــــنقيب

والدة المختار المكلومة -السراجوالدة المختار المكلومة -السراجبعد أن ظهر لأم المختار أن عيناه لم تعودا علي سيرتهما الأولى فالجمال الساحر الذي كانت تبصره كل حين قد بدأ في الأفول شيئا فشيئا.

 جمال أسرها ستة أشهر فقط ... وانتهي ليخلف وراءه بحرا هادرا من الألم أغرق سفينة الراحة وقضي على نعمة المال, وقتل الأنس بجمال الطفولة.

 هنا بالتحديد بدأت المأساة تنبت شجرها وتذكي حرها وتزمجر بصوتها الصاخب الذي يهز أركان الطمأنينة ولو لم تكن قد أكملت نصف ربيعها الأول . حينها زحفت الأسرة بكامل عدتها ومالها نحو مستشفى الأم والطفل بمقاطعة "لكصر" فلم يكتشف سدنة الطب المتخصصين في أمراض الطفولة أي سبب لما حل بالمختار من علل أصابته سهامها في أعز ما يتمتع به الإنسان من حواس "بصره الذي يبصر به".

فعقدت الأسرة العزم علي المضي نحو المستشفى الوطني الذي يعج بالمرضي القادمين من كل حدب وصوب من أطراف الوطن.

في ذلك العالم المرعب المملوء بالمرضي والمصابين ومن هم علي سرر الموت ينتظرون لحظة التفاف الساق بالساق حين ما يحين الفراق.

في المستشفى الكبير كشف الأطباء عن كنز الحزن الذي حول وضع الأسرة ساعتها إلي بكاء وأنين بعضه كان يعتلج داخل الصدور وبعضه الآخر سال دمعا ساخنا علي الخدود.

أم المختار بكت دما, فأصبح ابنها يضن عليها بنظراته الفاتنة الجميلة, هنا تحولت الحياة إلي كابوس, أحرق الأمل الكبير, وأضاع ما في الجيب من قليل مال لا يتحمل أكثر من ملمات المعيشة التي كانت تصرعه قبل أن أصبحت اليوم "هموم علي هموم".

قال الأطباء إنه السرطان, ذلك المرض القتال الذي يستحي أهل موريتانيا من ذكره علي طول الألسن فيطلون عليه اسم "المخلوق" وتلك رسالة واضحة, وذك هدف بين.

بطبيعة الحال والد المختار يعمل عملا ضئيلا  لا يكفي لسد حاجة المعاش لذا كانت الفحوصات والوصفات الطبية له بالمرصاد فأتعبت عقله وأرهقت كاهله وأردته فريسة لإكراهات اللحظة, حتي وقف عاجزا لا يعرف ماذا يفعل؟ فالوصفات والفحوصات وأجرة النقل وتكاليف العيال ومستلزمات المنزل كلها عبارات عهدها لا ترحم مع ضعفه وفقره فهي التي أذاقته سوء العذاب, فلو كان الفطام عن ذكرها ممكنا لفعل لكن هيهات هيهات.

سلمت الأسرة بالقدر مع أنها أصبحت علي يقين أن الأمر قد تطور إلي حد بعيد لم يعد يتحمل المجاملة والتساهل....إنه السرطان قد نزل بساحهم ...إنها المعاني الخطيرة أصبحت معهم لا تفارقهم بلهبها المتصاعد وصوتها المزمجر.... وإلي الخطوة الموالية .

بين ثنــــــــايا المحنة

والد المختار المكلوم-السراجوالد المختار المكلوم-السراجبأرجل متعبة وخطى متثاقلة اتجه الأبوان إلي "المركز الوطني للإنكولوجيا" وسط العاصمة فهو الذي لا رابط يربطه بحي "أبيكة11" اللهم إلا الطريق الوعر والأجرة الغالية التي لا يعرف لها الفقراء سبيلا وإن كانوا مرغمين عليها.

بدون شك لم ترحم سيارات الأجرة كبوة الأسرة يوما, كلا ولم تعرف الجهات الرسمية لمعونتها سبيلا ولو يوما واحدا علي الأقل.

مركز السرطان تقول شواهد الواقع بأنه قليل جدا عدد الذين دخلوه ثم خرجوا بأرواحهم معهم, فهذا المرض الفتاك لا زالت الإنسانية عاجزة عن حل لغزه المتين ذلك ما تعرفه أم المختار لكنها تتناساه عن قصد أو غير قصد, فلحظة منه لا يعادلها شيء من حطام الفانية.

كان مجيئهم إلي مركز السرطان بعد أشهر قليلة من بداية المحنة الساخنة, موافقا لعيد ميلاده الأول, أي بعد أن بلغ سنة نصفها في الصراع مع المرض العضال ونصفها في الطفولة الجميلة.

في طب السرطان كانت الأحوال مأساوية جدا فالإهمال يشد حلقاته المحكمات بقوة في أقسام المستشفى وغلاء الدواء قد نزل بساحه هو الآخر مسندا ظهره إلي حاجة المريض كأن لا إنسانية في بلاد التعاطف والتكافل !!!.

يوميا يتجه الأبوان يحملون ابنهم المختار إلي المستشفى أملا في الشفاء المفقود فيبدؤون مع سيارات الأجرة وقتا طويلا ويخف ما بجيب محمد ولد أعمر –والد المختار – فتنهال عليه بعد ذلك جبروت الدواء التي تضربه يوميا ضربة قاسية ما إن يفيق منها حتي تكله لأخري هي من سابقاتها أشد ومن لاحقاتها أخف وهكذا دوامة الدواء التي لم تفهم حاجته ولم تستوعب وضعيته الحرجة كما يقول وهو منشغل الذهن, لما سالته: لماذا تحدثني وأنت مشغول؟؟؟ قال بنبرة تستحيي من البوح بكل شيء. أفكر في غدي ...في معركتي...في ما ينتظرني....

إلي يومنا هذا والمأساة مستمرة تذكيها الأيام يوما بعد يوم فتتجدد بتجددها,

والأشد من ذلك أن حالة الطفل لم تعد تسمح له بتناول الوجبات العادية مع أفراد أسرته, فهو يحتاج إلي قيمة غذائية  لا تتحمل الأسرة أعباءها فغذاءه كله خاص وتلك طامة كبري, تنضاف إلي أخريات ما هن بصغيرات, فالوصفة الطبية اليومية تظل دائما تتراوح ما بين 15000 و7000 ألف أوقية, وفحص العين الواحدة وهو دوري يكلف 14000 ألف.

هذا إضافة إلي كثير من التكاليف الأخرى والتي عجز التعيين عن الوفاء بحقها أما الحاجة فلن تستغن عن شيء.

علي مأدبة الحرمـــــان

قد لا تصدق أنه مع كل هذه الحلقات العصيبات لم تجد الأسرة مساعدة من أي أحد لا دولة ولا محسنا, كأنها في غير بلدها وبين غير بني جلدتها ودينها.

قلة ذات اليد, وبعد البيت, وتعدد التحديات, وحجم المصيبة, والدموع المنهمرة, والحياة الغارقة في بحر السرطان, والديون العاصفة, والحاجات القادمة,. كل ذلك لم يجعل أحدا يساعد هذه المسكينة التي أصبحت تنحت من جبال المآسي بيت الراحة التي سلبها السرطان.

واليوم ينادي حالها أبناء الوطن وإخوة الدين أن انظروا حالنا وما أصبحنا عليه من ضنك العيش وعظم المصيبة,  لعله أن يكون في الأنفس بقية من نخوة تساعد أهل المختار في اجتياز هذه المحنة العاصفة التي ألمت بهم, عسي الدهر أن يشكرها ولو بعد حين !!!!!.

شهور تحت سماء موريتانيا, الشعب المسلم "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا" صدق المبعوث رحمة للعالمين, موريتانيا بلد الشهامة والكرم, ومساعدة المحتاج, وإغاثة المنكوب, والرحمة بالملهوف, لا بل تحت رئاسة الفقراء ... ومساندة الضعفاء...تلك شعارات, والكلام شيء والوقع شيء قد لا يتفقان.

مأساة أسرة المختار ستظل شاهدة على عمق الفجوة بين الشعارات و أتباعها والواقع وشواهده, الماثلات لكل ذي عينين.

 شهور مضت والمأساة تتجدد وتزداد حدتها يوما بعد يوم, وتنذر بالمزيد فهل من مساعد أو حتي متباك يرفع يديه إلي ربه ورب المختار ورب كل شيء أن يحل بهذه الأسرة أضعاف ما حل بهم من البلاء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ملاحظة : رقم هاتف والد المختار محمد ولد أعمر "هو :22023017"

إعداد : الشيخ أحمد ولد يحيي

المختار ولد محمد...طفل يترعرع في كنف السرطان.

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox