أشريف ولد احمد يحلم بأن يقف على ساقيه..فمن يهب لنجدته !! |
الأربعاء, 23 مايو 2012 21:51 |
العيش تحت حراب الفقر لكن مع عافية البدن نعمة لا يقدرها كثيرون ،فالصحة تظل تاجا على رؤوس الاصحاء لا يراه إلا المرضى، وتلك حقيقة اخرى تفصح بها حال المقعد أشريف ولد احمد بعد أصبح طريح الفرش ورهين المرض والعجز. يتململ ولد أحمد في فراشه ويستجمع كامل قواه وهو يحاول استرجاع تلك اللحظات التي مرت كأنها دهر وهو يغالب الألم والخوف في قعر بئر مهجورة وذلك بعد سقطة مدوية كادت أن تودي بحياته، كان يتحسس جوانب البئر اثناء ترديه وكأن دوامة ريح قوية تطوح به، فيما أحس الدماء الغزيرة تتفجر من أجزاء متفرقة من جسده، ووجد صعوبة في التحرك احرى الجلوس، ومنذ تلك اللحظة وإلى اليوم لا زال طريح الفراش حبيس السرير. كانت إصابة اشريف بالغة كما اخبره الأطباء وكان عليه أن يجري عملية في الظهر تكلف مئات الآلاف ويخضع لعلاج طويل من التأهيل البدني لا زال في بدايته وذلك رغم خروجه من المستشفى وانتقاله للسكن مع أخيه في ضواحي حي بوحديده بنواكشوط. لكن الحادث لم يكن سوى فصل من فصول حياة مترعة بالألم والمعاناة رافقت ولد أحمد منذ نعومة أظفاره.. طفولة بائسةفي قرية "لكريفات" بضواحي تمبدغه عاش ولد احمد طفولة لا تختلف في شيء عن ما يعيشه العشرات من اترابه حيث تكون الحراثة المصدر الأول للقوت وفي غير فصول الحصاد يعاني الأطفال والكبار من أمراض سوء التغذية فيكون طوق نجاتهم تعليف شويهات هزيلة أو رؤوس أبقار يتناقص عددها باضطراد، وأحيانا لا يجد الاطفال وذووهم غير النزوح إلى اقرب مركز حضري والعمل في حرف يدوية كالتحطيب او العمل في بيع الخبز أو في ورش الحدادة وحتى العمل في بيوت الموسرين. جرب اشريف في طفولته الكثير من هذه الأعمال وكان يعرف بين زملائه بشجاعته وصبره، كان العمل يدر عليه بعض النقود البسيطة التي يشتري بها اشياء يتباهى بها امام زملائه في القرية ولا زال يتذكر كيف كان اصدقاءه يتتبعونه ويغارون من حذائه البلاستيكي الجديد فلم يكن من الشائع أنذاك ان ينتعل الأطفال ولا حتى يلبسوا ما يستر عوراتهم. أما في موسم الحراثة فالجميع في فلاحة الأرض من الأطفال والنساء والرجال ولكل دوره المعلوم، وحده اشريف كان يحاول أن يتشبه بكبار الفلاحين فيحمل الفاس والمحراث ليهوى بهما على الأرض كما يفعل الرجال وهو ما كاد ذات مرة ان يصيبه بعاهة مستديمة عندما هوى بالفأس على مقدمة رجله وسال الدم، وثار الجميع في وجهه لكن ما يؤلم اشريف انذاك :كيف قضى أياما وهو ممنوع من الخروج مع اترابه إلى الحقول. العمل في الزراعة أكسبه صبرا على العمل العضلي لذا سرعان ما جرب في طفولته أعمالا يدوية تعد شاقة على من هم في سنه كبناء بيوت الطين ذات الجدران العريضة والأسقف الخشبية، كان رفع الطوب ووضع أعواد الخشب يتطلب مهارة بل وشجاعة فائقة وكان اشريف هو المرشح دوما لهذه المهام الجريئة. لم يستهوه يوما العمل في نواكشوط رغم المزايا الكثيرة التي كان يعددها زملاؤه لكن قناعته كانت دوما في أن العمل في القرى القريبة أقل مشقة وأقل مجازفة وكما يقال: فإن النصف مع الأهل أزكى. مهام خطرةتجاذبت اشريف في المراحل الأولى من شبابه رغبة جامحة في الاغتراب للحصول على عمل بدخل افضل لكن سفر إخواته وبقائه مع العائلة ونفوره الفطري من السفر والغربة جعله يقنع بالمتوفر من أعمال عضلية إلى جانب عمله في الحراثة من خلال استصلاح الأرض وإنشاء الحظائر حول الحقول وذلك مقابل تعويض يومي. وفي المدينة جرب العمل كحمال على عربة حمار، حيث كان ينقل البضائع والأشخاص من وسط المدينة إلى أطرافها واحيانا يعهد إليه بعض اصحاب الدكاكين بجلب مشترياتهم من مواد استهلاكية من السوق، وفي أحيانا كثيرة يغدو إلى سوق المدينة فيقضي يومه بين التحميل والتفريغ، كما جرب حمل الطين المادة الاساسية للبناء في القرى على عربته. لكن العمل الذي اشتهر به اكثر هو حفر الآبار وهو عمل شاق وخطير إذ من النادر أن يعمر العاملون فيه ليس فقط بسبب مشاق الحفر وتقطيع الحجارة بل بسبب التلوث والأبخرة السامة التي يستنشقون عندما يوقدون النيران على الحجارة في جوف البئر، وهي طريقة تقليدية لتكسير الحجارة قبل ان يكتشف الديناميت. كان العمل في الحفر يستغرق جل ايام العمل نظرا لعمق الآبار والتي تزيد احيانا على 60مترا في تخوم الأرض لكن العائد المادي اكبر فمن المعلوم أن أجرة حفر "الوقفة " حوالي مترين تقدر ب80 الف اوقية وحتى 100 الف مما يعني أن العائد مغر. ورغم إشفاق الوالدة وتحذيرها لأشريف من مزاولة هذا العمل الخطير إلا أنه كان يطيب خاطرها ببعض المجاملات ويطلب منها ألا تقلق عليه فقد اصبح رجلا ناضجا يعرف مصلحته ولم يعد مراهقا غرا ولا طفلا صغيرا فتنسحب الوالدة في حياء وتدعو له بالهداية والعافية. كان هو امل عائلته بعد ما تغرب باقي إخوته في نواكشوط وأصبح الكافل لوحيد لأبويه وأسرته المكونة من ولدين وبنت وأمهم، لكن ما يؤرق الآن ولد أحمد وهو طريح الفراش بنواكشوط ليس أبويه ولا أطفاله بل أولاد أخته اليتامى والذين كان هو عائلهم الوحيد. الحادث المؤلملا يتوقف ولد أحمد اليوم عند الكثير من تفاصيل الحادث المؤسف الذي تعرض له قبل حوالي شهرين ،وكل ما في ذهنه هو صور الحزن والترقب والقلق التي كانت تطل من عيون المحيطين به فور وقوع الحادثة كان يقرأ أمارات الفزع في عيونهم ويحس قلوبهم وهي تدق بسرعة اكبر بل وكأنه يتحسس العرق البادر يتصبب منهم وهو مسجى بين أيديهم . أما مشاعر الوالدة والأخوات فكانت أعمق غورا وأكثر إيلاما عند سماع الخبر الصاعق حيث انتحى البعض جانبا وأخذ في نشيج صامت، وتردد على مسمعه عبارة :إنا لله وإنا إليه راجعون" لم يكن أحد يطمع في بقائه حيا بعد ما تردى على عمق بأكثر 60متر. يتذكر كيف أن احد الوجهاء اتصل به يوم الحادثة للعمل على نزح البئر المشؤومة وذلك جريا على عادة المنمين في بداية فصل الصيف عندما يعملوا على تجهيز الآبار لأغراض سقي الماشية والأغنام، لم يكن ليتردد وهو الذي طالما استفرغ عشرات الآبار من حمولتها من الطين والحجارة وأعاد تعميقها ليكون ماؤها أكثر غزارة وصفاء ولا يمكن ان ينسى مشاعر الرضا التي تنتابه به عندما يغترف لنفسه من الماء الزلال وهو في قعر البئر في انتهاء نوبة أعمال النزع والترميم. قبل أشريف المهمة وحضر إلى البئر ليقوم الرجال بإدخاله وتدليته بسلاسة حتى استقر في عمق البير وقام بنزحه وتهيئته بشكل تام وذلك بمساعدة زميل آخر له، كان الوقت يمر بسرعة والعمل يسير حسب الخطة المرسومة حيث يقوم بجمع الحجارة والنفايات من قعر البئر ووضعها في دلو ليرفعها الرجال ويفرغوها في الخارج وهكذا.. ولما انتهت المهمة كان على الرجال أن يدلو إليه الرشاء ليتعلق به ويخرج كما دخل لكن بدل الرشاء القوي الذي دخل به لم يجدوا غير رشاء من حبلين ،تحمل بالرشاء ووضع الدلو في يده وأخذ الرجال في سحبه وعلى نفس البكرة التي دخل عليها لكن ما اقترب من الحافة وأصبح على مرأى من مستقبليه حتى انحرف الرشا عن البكرة وانقطع في لمح البصر ليهوي بما يحمل إلى قاع سحيق، لم يدر أشريف عن نفسه شيئا إلا وهو مرمي في القاع على مقربة من موقع زميل العمل . رحلة الانقاذ والعلاج ترك صوت الارتطام جلبة قوية وفزعا أقوى في قلوب كل من كانوا حول البئر، فيما تسابق الجميع للقيام بمهام الإنقاذ وتم إنزال احد الرجال على جناح السرعة ليقوم بإخراج الضحية، ورغم الاصابة البالغة في الظهر والساقين ومشهد الدماء إلا إن الجميع حمدوا الله لما رأوا به رمقا، فقد يكون في سرعة الاسعاف ما ينقذ الانفس ويحمي من مضاعفات أبشع الحوادث لكن من أين لهم بسرعة الاسعاف والانقاذ وهم في مكان معزول ولا يملكون قوت يومهم أحرى نفقات التنقل إلى اقرب مركز صحي في تمبدغه. كان على الأقارب والاصدقاء ان يتدبروا أمر نقله إلى مستشفى النعمة ومن ثم استئجار سيارة الإسعافب100ألف اوقية لمواصلة الرحلة إلى نواكشوط وبسبب التعقيدات وضيق ذات اليد وقبل ذلك ضعف الخدمات الصحية لم يبدأ العلاج إلا بعد ثلاثة أيام من الحادث وذلك رغم الآلام المبرحة والمضاعفات الخطيرة لهذا التأخير على صحة أشريف كما أكد الأطباء بعد ذلك لم تكن رحلة العلاج التي بدأها اشريف متأخرا أقل مشقة ولا تكلفة من رحلة الاسعاف حيث كان عليه ان يخضع لعملية جراحية في الظهر تكلفت اكثر من 400ألف اوقية، واحتاج إلى تجبير ساقه المكسورة..وتعاطي ادوية غالية الثمن..لا زال يتعاطاهالحد الساعة. تماسك افرد عائلة اشريف واظهروا شجاعة قل نظيرها في تحمل نفقات العلاج رغم قلة ذات اليد وكثرة العيال فها هو أخوه المعيل سيد المختار يبيع قطعة الارض التي يسكنها ليصرف على علاج أخيه، كما جاد الاقارب والاصدقاء بما وسعهم للمواساة والنجدة لكن المصاريف كانت أكبر والتكاليف أغلى، ولم يكن توفير الأدوية والعلاجات بأرخص من نفقات جلسات العلاج الطبيعي التي يخضع لها أشريف حاليا. وبعدما تكاثرت الهموم وثقل حمل الديون لم يجد أفراد العائلة بدا من طرق أبواب اهل الخير للمساهمة في جزء من تكاليف العلاج، وليساعدوا أشريف العائل الفقير والمقعد الآن على يقف على قدميه من جديد!! فهناك وفي جزء قصي من الوطن عائلة من أطفال وايتام تنظر عودته على أحر من الجمر. م.أجدود والطالب ولد دش ملاحظة : يمكن الاتصال بالمعني من خلال أحد الرقمين: 22073587-22401921 |