ولد محمد محمود..حبيس العمى والفقر والحرمان"صور"
الخميس, 13 سبتمبر 2012 20:28

ولد محمد محمود..حبيس العمى والفقر والحرمانولد محمد محمود..حبيس العمى والفقر والحرمانقضيت أكثر من أربع ساعات في قرية"تجمع الجيمامة"عشت فيها لحظات"قاسية"مع أسرة فقيرة ظل الهم وبات من عناصر حياتها التي عاشتها على طريقتها الخاصة, يوم أراد القدر لها أن يكون نصيبها من حياة اختلفت فيها حظوظ الناس  وتنوعت هموهم:"فقر وعمى وحرمان".

خلال جلسة مع والد الأسرة وأمها وبناتها"الخمس" وابن"الصغير"في يوم من أيامها الخالدة, ذقت طعم الحياة..حلوه ومره..بدأت أقرأ تفصيل قصة من قصص مجتمعنا المنكوب المحروم, من خلال تلك الصورة الجماعية التي ارتسمت أمامي والتي اختزلت المشهد في كلمات معدودات لا تزيد على الثلاثة السابقة:"فقر وعمى وحرمان".
في الوقت الذي كنت أتحسس نوبات مس من نواميس مأساة خانقة تلذع كبد كل من يملك قدر ذرة من الإحساس كنت حينها أحمل الكاميرا لالتقاط صورة للعالم الآخر, وما استطعت التقاطها إلا بعد لأي كبير..تأكيدا للحقيقة الدقيقة.


     والدة الأسرة...بنت نوار....في حديث عن المأساة والدة الأسرة...بنت نوار....في حديث عن المأساة معاناة متأصلة مع الفقر


لم يكن لبات ولد محمد محمود"احميد"رغم أنه من ساكنة البدو"البادية"يملك بقرة ولا معزاة فضلا عن "ناقة وجمل وسيارة وطائرة,و..و..". بل كان يعمل في دكان لأحد أقاربه  يحاول من خلاله  توفير لقمة العيش لبنات قل نصيرهن حين كثر عددهن, في زمان لا مكان فيه إلا للأقوى ومالك الدينار والدرهم.
رغم كل ذلك ظل لبات ولد محمد محمود يسير في طريقه المحفوف بالصعاب المملوء بالهموم الأسرية..يظل يسير وهو يتذكر في بداية الطريق ووسطه وكذا نهايته دمعات البنيات الضعيفات وحاجتهن الملحة والتي لا تقبل التأخير أو المساومة.
كانت الأسرة تعيش حالة مأساوية فريدة من نوعها, لكنها لم تعول يوما إلا على الله ولم تكن تسأل إلا إياه, كانت تبيت الطوى الذي أنبت في كبدها من وخزاته أشجارا حادة الأشواك ، وأطلق في عروقها من لذعات العطش لهيبا من النار..ولكن لا غرو فخيمة لبات"خيمة العرب الصالحين التي لا تسأل الناس إلحافا . تظل كما تبيت تنتظر رحمة الله ومن تعلق بالله نجا من عاتيات الزمن.تقول أمنة. إنها القناعة بالقليل وما أدراك ما القناعة وكيف يكون جزاء صاحبها..؟؟
          ملك القناعة لا يخشى عليه ولا
                                      يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

 

     انقطع الدواء..فانطفأ نور البصر


  ذات يوم من الأيام وفي سنة2001 أطل فجر جديد على أسرة لبات،فجر لم تكن الأسرة على موعد معه على ما يبدو ولم يخطر لها على بال ..أطل فجر حمل في طياته ليلا أسود ساد عالم الأسرة فاغتال أحلام بنات ساهمات الخدود ذابلات الجفون..إنه فجر"العمى".
كف بصر العائل وأب الأسرة وسد معه مورد الرزق الوحيد الباب الذي كانت تأتي للأسرة منه لقمة عيشها, وخارت قوى الوالد حتى أصبح لا يكاد يحرك يده إلا لأخذ كوب من الماء أو ما يماثله بعد إشعار من أحد أفراد الأسرة. وأصبحت الأسرة لا تفكر إلا في حالة تعيد الوالد بها على حالته الصحية فانطلقت الأسرة في رحلة الدواء والعلاج.
وكانت رحلة من نوع خاص..رحلة قل فيها الأصحاب والخلان..نقل خلالها لبات من مرابع العائلة بين المدن القريبة لتلقي العلاج.
بدأت الرحلة من القرية البائسة  لتفتح أعين الوالد على عوالم جديدة لم يعهدها من قبل .فبعد أن عجز الأطباء في الطينطان عن العلاج توجهت الرحلة إلى كيفة ومنها إلى نواكشوط لكن دون جدوى..تعددت الأسباب لكن المرض واحد مقدر.
لم تكن للأسرة الفقيرة طاقة بشراء دواء زاد ثمنه على (26.000أوقية) بعد ست سنوات"2006"من العلاج رغم أوامر الطبيب بعدم قطعه .ليعود لبات إلى أسرته عودة لم تألفها من قبل..عاد وهو مثقل بهموم المرض ومعاناة الفقر والحرمان
عاد لبناته اللائي ضاقت بهن الحياة ذرعا يوم طلع فجر العمى على ربوع الأسرة..وشتان بين يومهن هذا وذاك..يوم تفرح فيه البنات بقدوم الأب..ويوم تحزن فيه فتسيل دمعاتهن سحا.

 

صورة أسرة لبات تحدث عن نفسهاصورة أسرة لبات تحدث عن نفسهاالمأساة في عيون البنات


خديجة..ومريم..وزينب..وفاطمة..و..و..تجلس كل واحدة منهن بجانب الأخرى بزاوية من الخباء المتواضع تنتظر أن يجود الزمان لها بما تخفف به عنها كابوس الجوع المخيم على كيانها الجريح الذي يهزه الجوع هزا. في لحظة"فاصلة من حديث البنات" سألتهن عن حالهن فلم تجبنني"..وكيف يجيبني البلد القفار"..؟؟
تعدت البنات وازدادت المأساة وقلت المساعدات من ذوي القربى وغيرهم..يوم كان لبات لا يستطيع قضاء حاجته"الشخصية"إلا إذا أخذت إحداهن بيده، أما حاجة البنات فلا ولا ألف لا, فلم يعد لبات كما تفتحت عليه أعينهن يوم خرجن من رحم الأمومة إلى رحم المأساة والمعاناة.
في وقت حرج مشجون بالمأساة والمعاناة مملوء بالعجز والفقر والحرمان, تراجع الأقارب والخلان والأصحاب عن لبات فتركوه يعيش مأساته لوحده بجانب أسرة حلت بها البلوى والشكوى يقول البنات..وهو ظلم لا مثيله في تاريخ الإنسانية..ظلم ذوي القربى..هكذا تقول الحكمة الشعرية منذ آلاف السنين.
         وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
                                        على النفس من وقع الحسام المهند


أمل الأسرة:يسلك ولد لبات في العاشرة من عمرهأمل الأسرة:يسلك ولد لبات في العاشرة من عمرهأمل الأســــرة 


يسلك ولد لبات الطفل الوحيد للأسرة في العاشرة من عمره..تؤمل فيه الأسرة المنكوبة أملا كبيرا لا يقل عن الأمل الذي كانت تؤمله في الوالد. يسلك طفل صغير في صورته لكنه عظيم في حقيقته فهو القمر العالي الساطع في سماء الأسرة.
سألت الطفل عن مستقبله وما يريد فعله للبنات اللائي كثر عددهن..قال الطفل في براءة طفولية تذكر بالجولة: "سأواصل التعليم بعد قراءة القرآن مع العمل ورعاية الأسرة قدر ما أستطيع".
                                **********
في ختام القصة..وهل من ختام لقصة لا يزال أفرادها يحتسون الكؤوس المترعة بالمأساة والمعاناة واحدا تلو الآخر..ولكن لعل لكل بداية نهاية..هنا تقف الكلمات-ولو مؤقتا-ليبدأ الإحساس والمساعدات تجاه أسرة لا تملك دينارا ولا درهما تقول الوالدة بنت نوار.
هناك تحت خباء متواضع يستلقى الوالد مسجى يناشد في الإنسان"إنسانيه" وفي الأخ"أخوته"وفي الصديق"إحساسه"لاستمرار حياته وحياة أطفاله..لا يطالب بأكثر من توفير تكاليف الدواء وراتب شهري يؤمن لقمة العيش..فهل من سامع أو مغيث!!

للاتصال بالأسرة:
22.12.06.54  أو 33.08.59.88                
 

تقرير: شيخن ولد البان

 

ولد محمد محمود..حبيس العمى والفقر والحرمان

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox