وترجمتي الحرة للتعريف أعلاه هي كالتالي:
"الشغور هو الفترة التي تبقى فيها وظيفة أو تكليف أو ملكية ما شاغـرة بمعنى أن تبقى مؤقتا دون صاحب، غير مشغولة أو خاوية.
وهو أيضا وضع الشاغر والمتاح.
ويمكن أن ينتج الشغور عن الوفاة أو الاستقالة أو تغيير الوظيفة أو جراء العجز البدني أو الذهني.
وشغور السلطة هي الفترة التي لا تمارس خلالها سلطة شرعية ما صلاحياتها. وتتعين ملاحظتها أولا. وكثيرا ما نظمتها الدساتير وقررت النيابة المترتبة عليها."
3. الشغـــور واقعـــــا:
وبإسقاط التعريفين أعلاه على واقعنا نستنتج وجود حالة شغـور رئاسي في موريتانيا بدأت من إصابة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في يوم 13 أكتوبر 2012 واستمرت إلى حين كتابة هذه المعالجة يوم 10 نوفمبر 2012 إذ من الثابت والجلي أن الرئيس لم يدخل خلال هذه الفترة مكتبه ولم يجتمع بوزرائه ومستشاريه على الأقل في الظرف المكاني المعهود لذلك بل وأكثر من ذلك بقي خارج إقليم الدولة التي كان يمارس فيها سلطته خاضعا لسيادة وسلطة قوم آخرين.
وبينما كان الموريتانيون يتوقعون أن يرفع رئيس الجمعية الوطنية طلب ملاحظة الشغور ( constat de vacance ) للمجلس الدستوري باعتبار استقلاليته وعدم خضوعه للسلطة التنفيذية فاجأنا بإعلان سماعه صوتا خافتا تحصلت لديه القناعة بأنه صوت رئيس الجمهورية مضيفا أن الرئيس لا يزال متمتعا بقواه العقلية وأنه أخبره أنه يتماثل للشفاء.. كما ذكر جيل بيرو في كتاب شهير أن لفيفا من المحامين أثار أمام إحدى محاكم دولة صديقة عدم تمتع متهم بقواه العقلية حينها بادر رئيس المحكمة إلى استفسار المتهم: هل تتمتع بقواك العقلية فرد المتهم بالإيجاب، فما كان من القاضي إلا أن خاطب هيئة الدفاع قائلا أسمعتم لقد أقر بأنه يتمتع بكامل قواه العقلية!
الملاحظ أن السيد مسعود ولد بلخير لما سئل عن مسألة الشغور لم يقدم جوابا شافيا.. وأنهى مؤتمره الصحفي دون أن ينير المواطنين حول سبب عدم طرح المسألة على المجلس الدستوري.. صرح فقط بأنه أجاب مواطنا مجهولا وكان ينبغي أن يقدم ردا واضحا يشفي غليل كافة المواطنين لأن توجيه طلب ملاحظة الشغور منوط دستوريا برئيس الجمعية الوطنية بصفته الوظيفية وليس بالسيد مسعود شخصيا ويجب عليه إنارة المواطنين حول قيامه بهذا الواجب.. ولربما التبس الشغور والمانع النهائي على رئيس الجمعية الوطنية الذي يبدو أن لا نية لديه في الكتابة للمجلس الدستوري ما لم ييأس (لا قدر الله) من شفاء رئيس الجمهورية، فهل يتحمل الرجل يا ترى نصيبه من المسؤولية الجسيمة عن الخسارة المتصاعدة جراء تعطيل مصالح الجمهورية ؟
مهما يكن فإن من الوارد الآن أن تهتز قناعة رئيس الجمعية الوطنية حول الهاتف الذي كلمه بعد أن نشرت بعض المواقع الإلكترونية صورة الرئيس برفقة ضابط فرنسي وساد الإعتقاد بأن الصورة مفبركة ومركبة من صور كاميرات شتى وسرعان ما تلاعب الفنيون بها فنشر أحدهم صورة زعيم المعارضة الديمقراطية إلى جنب الضابط الفرنسي وألبس آخر رئيسنا بذلة الجيش الفرنسي وخلع لبسة المتفضل على الرجل الأبيض.
يتعين أن ينتبه رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية والوزير الأول وأعضاء المجلس الدستوري وغيرهم إلى أن الشغور المذكور في المادتين 40 و41 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية متعلق بالكرسي الرئاسي (المكان) ولا تعلق له بشخص الرئيس.
إنه لا عار في أن يمرض الرئيس ولكن مكمن العيب في أن تقف أمة بكاملها عاجزة عن تجاوز أزمة وسنة من سنن الله الماضية في خلقه، أليس من الأجدر أن تستمر حياتنا بصورة اعتيادية حتى في غياب الرئيس وغيره وأن نحث قومنا على النظر للمستقبل بإيجابية الجماعة التي قال شاعرها ذات يوم:
إذا غاب منا سيد قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول
أليس من التخلف أن نردد بدلا من ذلك عندما يعتل الرئيس قول المتنبي:
إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض
ومن فوقها والبأس والكرم المحض
على رسلكم أيها الموريتانيون فأي مصلحة في أن نستمر في غض الطرف عن تعطل الدولة انتظارا لرجل مريض انتخب لخمسة أعوام وحكم أكثر من أربع سنوات (بحساب فترته منقلبا).. أين نحن من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم: إنا لا نولي هذا الأمر أحدا حرص عليه (حديث عن مسلم والنسائي وأبي داوود وأحمد).
وخلاصة القول أن من واجبنا أن نستيقظ وننتبه إلى أن الدولة الموريتانية تفقد في كل يوم مكاسب مادية معتبرة (يمكن أن يقدرها المختصون) وتتعرض لأضرار معنوية جسيمة ومخاطر جمة ناجمة عن غياب الشخص المخول التعامل والتصرف باسمها، وللحصول على فكرة عن فوات كسب الدولة من الإجراءات القانونية رجعت إلى أرشيف الوكالة الموريتانية للأنباء لأقدر "الإنتاج الضائع" لمجلس الوزراء عن طريق مقارنته مع الفترة المقابلة من السنة الماضية: لاحظت أن الحكومة عقدت خمسة اجتماعات في الفترة الممتدة ما بين 13 أكتوبر 2011 و10 نوفمبر 2011 (على التوالي 13، 20 و27 أكتوبر و3 و10 نوفمبر) صادقت خلالها على ثلاثة مشاريع قوانين وأصدرت أكثر من خمسة وخمسين مرسوما واتخذت عشرات الإجراءات الخصوصية ويمكن لمن يريد مطالعة ذلك الرجوع إلى أرشيف الوكالة الموريتانية للأنباء:
http://www.ami.mr/index.php?page=Form_Archive
وبالمناسبة أعرب عن استنكاري لطمس الوكالة الموريتانية للأنباء لأرشيف أخبار الجمهورية السابق على سنة 2009 فلأي سبب يا ترى تختزل الوكالة أرشيف الدولة التي جاوز عمرها نصف قرن في أربع سنوات هي فترة حكم محمد بن عبد العزيز أليس ذلك دليلا على قصور ما ؟